الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } * { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً } * { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } * { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً }

قوله - عز وجل -: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمََ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً }.

قوله: { أَأَسْجُدُ } ، أي: لا أسجد؛ كقوله:لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ } [الحجر: 33]؛ فدلّ هذا أن قوله: { أَأَسْجُدُ } معناه، أي: لا أسجد. ذكر في قصة إبليس ألفاظاً مختلفة:

مرة قال:يٰإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } [الحجر: 32]، وقال في موضع [آخر]:مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ } [ص: 75]، وفي موضع آخر:مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } [الأعراف: 12]، ونحوه؛ فجائز أن يكون ذكر هذا على اختلاف الأحوال لا في حال واحدة. هذا على ما ذكر في قصّة آدم من اختلاف الأحوال حيث قال مرة: { مِن تُرَابٍ } ، وقال مرة:مِّن طِينٍ } [المؤمنون: 12]، ومرة:مِن صَلْصَالٍ } [الحجر: 33]، ونحوه، وذلك إخبار عن أحوال تغيرت فيها.

وجائز أن يكون ذلك بغير هذا اللسان؛ فذكر هاهنا بألفاظ مختلفة؛ والزيادة والنقصان؛ لأن اختلاف الألفاظ لا يغير المعنى.

وقوله - عزّ وجلّ -: { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ }.

قد أقر إبليس - لعنه الله - بالفضيلة لآدم والإكرام له إما من جهة الطاعة له والنبوة التي أعطاها الله [له]، وإن ادعى لنفسه الفضيلة عليه من جهة الخلقة؛ بأنه ناري وهو طيني، حيث قال: { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ }: أقر بالفضل له عليه، والإكرام: إما لطاعتهم له، أو لما جعله رسولاً إلى خلقه.

وقوله - عز وجل -: { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً }:

لا يحتمل أن يخاطب ربه ويقول: لئن أخرتني إلى كذا لأحتنكن؛ لأنه لما طلب التأخير والبقاء إلى يوم القيامة كان طالب نعمة منه ومنة؛ فيقول مقابل ما يطلب من النعمة: لئن أعطيتني ذلك لأعصينك؟! إنما يذكر مقابل طلب النعمة الطاعة له والشكر؛ على ما قال:وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ } [التوبة: 75]: إنما يقابل بطلب النعمة الطاعة له، وأما مقابلة المعصية - فلا تعرف.

ثم يخرج قوله: { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } على وجهين:

أحدهما: على التأكيد، يقول: أي إنك، وإن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته.

أو على التمني منه الأمرين جميعاً: التأخير، واحتناك ذرّيته، وسؤاله إياهما.

ثم اختلف في قوله: { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ }:

قال بعضهم: لأحتوينهم ولأحيطن بهم.

وقال بعضهم: لأضلّنهم؛ على ما ذكر في آية أخرى:وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ } [النساء: 119].

وقال بعضهم: { لأَحْتَنِكَنَّ }: لأستزلن.

وقيل: لأستولين.

وقال القتبي: { لأَحْتَنِكَنَّ } ، أي: لأستأصلنهم.

ويقال: هو من حنك الدابة، حنك دابته: يحنكها، حنكاً، إذا شد في حنكها الأسفل حبلاً يقودها به.

وقال القتبي: أي: لأقودنهم كيف شئت.

ثم قوله: { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } كأنه سأل ربه التأخير، على ما ذكر في آية أخرى؛ حيث قال:

السابقالتالي
2 3 4 5