قوله - عز وجل -: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمََ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً }. قوله: { أَأَسْجُدُ } ، أي: لا أسجد؛ كقوله:{ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ } [الحجر: 33]؛ فدلّ هذا أن قوله: { أَأَسْجُدُ } معناه، أي: لا أسجد. ذكر في قصة إبليس ألفاظاً مختلفة: مرة قال:{ يٰإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } [الحجر: 32]، وقال في موضع [آخر]:{ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ } [ص: 75]، وفي موضع آخر:{ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } [الأعراف: 12]، ونحوه؛ فجائز أن يكون ذكر هذا على اختلاف الأحوال لا في حال واحدة. هذا على ما ذكر في قصّة آدم من اختلاف الأحوال حيث قال مرة: { مِن تُرَابٍ } ، وقال مرة:{ مِّن طِينٍ } [المؤمنون: 12]، ومرة:{ مِن صَلْصَالٍ } [الحجر: 33]، ونحوه، وذلك إخبار عن أحوال تغيرت فيها. وجائز أن يكون ذلك بغير هذا اللسان؛ فذكر هاهنا بألفاظ مختلفة؛ والزيادة والنقصان؛ لأن اختلاف الألفاظ لا يغير المعنى. وقوله - عزّ وجلّ -: { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ }. قد أقر إبليس - لعنه الله - بالفضيلة لآدم والإكرام له إما من جهة الطاعة له والنبوة التي أعطاها الله [له]، وإن ادعى لنفسه الفضيلة عليه من جهة الخلقة؛ بأنه ناري وهو طيني، حيث قال: { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ }: أقر بالفضل له عليه، والإكرام: إما لطاعتهم له، أو لما جعله رسولاً إلى خلقه. وقوله - عز وجل -: { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً }: لا يحتمل أن يخاطب ربه ويقول: لئن أخرتني إلى كذا لأحتنكن؛ لأنه لما طلب التأخير والبقاء إلى يوم القيامة كان طالب نعمة منه ومنة؛ فيقول مقابل ما يطلب من النعمة: لئن أعطيتني ذلك لأعصينك؟! إنما يذكر مقابل طلب النعمة الطاعة له والشكر؛ على ما قال:{ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ } [التوبة: 75]: إنما يقابل بطلب النعمة الطاعة له، وأما مقابلة المعصية - فلا تعرف. ثم يخرج قوله: { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } على وجهين: أحدهما: على التأكيد، يقول: أي إنك، وإن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته. أو على التمني منه الأمرين جميعاً: التأخير، واحتناك ذرّيته، وسؤاله إياهما. ثم اختلف في قوله: { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ }: قال بعضهم: لأحتوينهم ولأحيطن بهم. وقال بعضهم: لأضلّنهم؛ على ما ذكر في آية أخرى:{ وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ } [النساء: 119]. وقال بعضهم: { لأَحْتَنِكَنَّ }: لأستزلن. وقيل: لأستولين. وقال القتبي: { لأَحْتَنِكَنَّ } ، أي: لأستأصلنهم. ويقال: هو من حنك الدابة، حنك دابته: يحنكها، حنكاً، إذا شد في حنكها الأسفل حبلاً يقودها به. وقال القتبي: أي: لأقودنهم كيف شئت. ثم قوله: { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } كأنه سأل ربه التأخير، على ما ذكر في آية أخرى؛ حيث قال: