الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً } * { وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذٰلِك فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } * { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } * { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً }

قوله - عزّ وجلّ -: { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً }.

وفي سورة سبأ:قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ... } الآية [سبأ: 22]، فيشبه أن يكون الآية عندما نزل بهم البلايا والشدائد على ما قاله أهل التأويل، فأمروا عند ذلك أن يطلبوا كشف ذلك عنهم من الذين يعبدون [من دون الله]، فيقول لهم: ادعوا الذين زعمتم أنها آلهة دونه يكشفوا عنكم ما نزل بكم.

ويشبه أن يكون لا على نازلة؛ ولكن على تبيين سفه أولئك، حيث قالوا:مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3] وقالوا:هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [يونس: 18]: أخبر أن ليس لهؤلاء شفاعة عند الله، وأن عبادتهم إياها لا تقربهم إلى الله زلفى، كقوله:أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَ قُلْ أَوَلَوْ كَـانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ } [الزمر: 43]: أخبر أنهم لا يملكون ما يطعمون بعبادتهم إياها.

أو أن يذكر هذا؛ لقطع ما يرجون من دون الله من كشف ضرّ عنهم ودفعه، أو جر نفع إليهم وسوق خير، على ما أخبر أنه لا يملك ذلك أحد سواه كقوله:مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ... } الآية [فاطر: 2]، وقوله:وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ... } الآية [الأنعام: 17]: أخبر أنه لو فتح هو رحمة لا يملك أحد دونه إمساكها، ولو أمسك هو لا يملك أحد إرسالها دونه، ولو مسّ ضرّ لا يملك أحد كشفه، وإن أراد خيراً لا يملك أحد دفعه ورده.

هذا يذكر - والله أعلم - للمسلمين؛ لئلا يرجوا أحداً من الخلائق دون الله ولا يخافوا أحداً سواه.

ثم صرف أهل التأويل تأويل الآية إلى الملائكة، لكن الآية تحتمل كل معبود دون الله: الملائكة والجنّ والأصنام التي عبدوها.

وأمّا الآية الثانية التي تتلوها ظاهرها في الملائكة والجن، وهو قوله: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ }.

أي: أولئك الذين يعبدون من دون الله يبتغون هم إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ... } الآية [الإسراء: 57]: اختلف فيه:

منهم من صرفها إلى الملائكة.

ومنهم من صرفها إلى الجنّ، وهو قول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول: إن قوماً من العرب كانوا يعبدون الجن، ثمّ أسلم الجنّ، فبقي أولئك [كما] كانوا يعبدونهم بعد إسلامهم؛ فيقول: أولئك الذين [يعبدون من دون الله] يبتغون إلى ربهم الوسيلة؛ فكيف تعبدونهم؟!

ومن قال: إنها في الملائكة - اختلفوا في قوله: { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ }: قال الحسن: يرجون محبته ورضاه، { وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } ، أي: خوف الهيبة والجلال والعظمة لا خوف عذاب النار ونقمته؛ لأن الله - تعالى - عصمهم من أن يرتكبوا ما يوجب لهم النقمة والعذاب؛ حيث قال:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7