الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً } * { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } * { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً }

قوله - عزّ وجلّ -: { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }.

يحتمل قوله: { ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } الوجوه الثلاثة:

أحدها: الدعوة؛ كقوله:ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ } [النحل: 125]: أمره أن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة؛ فالتأنيث للدعوة، كأنه قال: ادع لهم الدعوة التي هي أحسن الدعوة، على إضمار الدعوة.

وجائز على إضمار الحسنة، أي: قل لهم أن يقولوا لهم الحسنة التي هي أحسن.

أو على إضمار الأقوال؛ كأنه قال: يقولوا لهم الأقوال التي هي أحسن الأقوال، وإلا ظاهره أن يقول: " يقولوا الذي هو أحسن ".

والثاني: على إضمار المجادلة - المناظرة - معهم؛ كقوله:وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [النحل: 125]: أمر رسوله أن يجادلهم أحسن المجادلة والمحاجة معهم.

والثالث: في حسن المعاملة معهم والعفو والصفح عما كان منهم إلى المسلمين من أنواع الأذى فأمرهم أن يحسنوا معاملتهم ويصفحوا عنهم؛ كقوله:فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } [المائدة: 13]، وكقوله:ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ... } الآية [المؤمنون: 96]، وقوله:وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ... } الآية [آل عمران: 134] ونحوه من الآيات: أمرهم أن يعاملوا أولئك أحسن المعاملة، [وهو أن الله يتركهم] ولا يكافئهم بسوء صنيعهم، ولكن يعفون عنهم، ويصفحون لما لعلهم يكونون أولياء وحميماً على ما أخبر، ويصيرون إخواناً لهم من بعد هذا في حق هذه الآية.

وأمّا من جهة الحكمة، وهو أن الله - تعالى - أنشأ هذا اللسان وجعله ترجماناً بين الخلق: به يفهم بعضهم من بعض، وبه يقضي الحوائج بعضهم من بعض، وبه قوام معاشهم ومعادهم، وبه بعث الرسل والكتب جميعاً، فإذا كان كذلك فالواجب ألا يستعمل إلا في الخير والحكمة، ولا ينطق به إلا ما هو أحسن وأصوب، والله أعلم.

وقوله - عزّ وجلّ -: { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ }.

أي: يفسد بينهم ويوسوس إليهم ويغري بعضهم على بعض؛ ليفسد بينهم، وذلك كقوله: { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً }.

أي: كان الشيطان منذ كان للإنسان عدوّاً ظاهراً عداوته بيّناً. جعل الله - تعالى - الشيطان بحيث يوسوس إليهم ويدعوهم إلى أشياء يظنون أن ذلك خير لهم، وأبداً يلقي إليهم ما يقع عندهم أن ذلك أنفع لهم ويحبب إلى كلٍّ مذهباً يقع عنده هو الحق؛ فيقع بذلك الإفساد وإبقاء العداوة بينهم أبداً هذا دأبه وشأنه يجبر كلا إلى جهة، ويري كل أحد جهة غير الجهة التي أرى الآخر، والله أعلم.

وقوله - عزّ وجلّ -: { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ }.

هذا يحتمل وجهين:

أحدهما: { أَعْلَمُ بِكُمْ }: بمصالحكم، وما لا يصلح لكم في الدّنيا والآخرة.

والثاني: { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ }: بما تسرون وما تعلنون، وما تعلمون وتفعلون، وإلا: لا شك أنه أعلم بنا منا.

السابقالتالي
2 3