الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُوۤاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } * { قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً } * { أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيباً } * { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً }

قوله - عزّ وجلّ -: { وَقَالُوۤاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً }.

أي: أئذا كنا عظاماً بالية ناخرة و { وَرُفَاتاً } ، قيل: ترابا، وقيل: غباراً، وقيل { وَرُفَاتاً }: أي: بالية؛ حتى إذا فتتت - تكسرت وذهبت، كقوله:أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً * قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } [النازعات: 11-12]، أي: غير كائنة، قالوا ذلك كله: إنكاراً للبعث واستهزاءً به أنهم يبعثون ويجزون بأعمالهم، وهذا كأنهم قالوا ذلك على التعجب، والاستبعاد عن كون ذلك، والاستهزاء بذلك، والجهل به هو الذي حملهم على التعجب والاستهزاء بما ذكر.

أنكر هؤلاء الكفرة قدرة الله على البعث كما أنكر المعتزلة قدرته على خلق أفعال العباد، وليس لهم الاحتجاج على أولئك الكفرة بإنشاء الأوّل؛ لأن لهم أن يقولوا: إنكم تقرون بالقدرة على خلق الأول، وتنكرون خلق أفعالهم، وليس لكم الاحتجاج.

وقوله - عزّ وجلّ -: { قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ }.

قال بعض أهل التأويل: أي: لو كنتم حجارة أو حديداً فيميتكم، لكن هذا بعيد؛ لأنهم لم يكونوا ينكرون الموت؛ إذ كانوا يشاهدون الموت؛ فلا يحتمل الإنكار، ولكن كانوا ينكرون البعث بعد الموت وبعدما صاروا تراباً ورفاتاً، إلا أن يقال: إنكم لو كنتم بحيث لا تبعثون ولا تجزون بأعمالكم لكنتم حجارة أو حديداً، لم تكونوا بشراً؛ لأن الحجارة والحديد ونحو ذلك غير ممتحن، ولا مأمور بشيء، ولا منهي عن شيء، وأما البشر فإنهم لم ينشئوا إلا للامتحان بأنواع المحن والأمر والنهي والحل والحرمة، فلا بد من الامتحان؛ فإذا امتحنوا بأشياء لا بدّ من البعث للجزاء والعقاب، فإذا لم تكونوا ما ذكر ولكن كنتم بشراً فاعلموا أنكم تبعثون وتجزون بأعمالكم على هذا يحتمل أن يصرف تأويلهم، لا إلى ما قالوا؛ وإلا ظاهر ما قالوا وتأولوا لا يحتمل؛ لما لا أحد أنكر الموت.

ويحتمل قوله: { قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ } ، أي: لو كنتم ما ذكر حجارة أو حديداً أو أشدّ ما يكون من الخلق لقدر أن ينشئكم بشراً من ذلك؛ فكيف إذا كنتم بشراً في الابتداء؟! أي: يعيدكم بشراً على ما كنتم كما أنشأكم في الابتداء من ماء وتراب، وليس في ذلك الماء والتراب من آثار بشر شيء من العظام واللحوم والعصب والجلد وغيرها؛ فمن قدر على إنشاء [هذا قدر على إنشاء] البشر بعد الموت وبعد ما صار تراباً ورفاتاً، على هذا يجوز أن يتأول.

ووجه آخر أن يقال: ظنوا أن لو كنتم حجارة أو حديداً أو ما ذكر لبعثكم؛ فكيف تظنون أنه لا يبعثكم إذا كنتم تراباً ورفاتاً أو كلام نحوه.

وقوله - عزّ وجلّ -: { أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ }.

السابقالتالي
2 3 4