الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِٱلْبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } * { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } * { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } * { تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }

قوله - عزّ وجلّ -: { أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِٱلْبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ إِنَاثاً }.

يخبر من سفه مشركي العرب أنهم نسبوا إلى الله البنات، والبنين إلى أنفسهم - بقوله:وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } [النحل: 57]، والذي حملهم على ذلك قول أهل الكتاب؛ حيث وصفوا الله بالولد؛ فرأوا أن ما يكون له الولد يكون له البنات؛ فقال:

{ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً }.

لم يزد على هذا العظيم ما قالوا في الله؛ فلم يضرب لقولهم ذلك مثلاً؛ لما ليس وراء ذلك مثل يضرب؛ لأنه ضرب مثل ما قالوا بالولد له بانفطار السماء، وانشقاق الأرض، وخرور الجبال؛ حيث قال:تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً... } الآية [مريم: 90]: أخبر أنّ السّماوات وما ذكر كادت أن تنقلب عن وجهها؛ لعظيم ما قالوا في الله من الولد. وقال في الشريك:وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ... } الآية [الحج: 31]، فهذا غاية ما ذكر من الأمثال لمن قال له بالولد والشريك؛ فليس وراء هذا يذكر لمن قال له البنات، ولكن قال: { إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً } لم يزد على ذلك؛ لأن الذي قالوا له ونسبوا إليه نهاية في السفه والسرف في القول، تعالى الله عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً.

أو يقول: { إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً }: في عقولكم، لو تفكرتم وتدبرتم لعلمتم أن ما قلتم في الله - سبحانه وتعالى - عظيم.

قال أبو عوسجة: { أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم } ، أي: أعطاكم ربكم؛ يقال: أصفيته: [أي:] أعطيته، وأصفاكم، أي: اختاركم.

وقوله - عزّ وجلّ -: { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ }.

قال الحسن: قوله: { صَرَّفْنَا } - يقول: بيّنا في هذا القرآن ما نزل بمكذبي الرسل من الأمم الخالية؛ بتكذيبهم الرسل أمّة قائمة؛ { لِيَذَّكَّرُواْ }: ما نزل بهم؛ فينتهوا عن تكذيبهم الرسل، { وَمَا يَزِيدُهُمْ }: ما بين لهم. { إِلاَّ نُفُوراً } أي: تكذيباً للرسل.

وقال بعضهم: ولقد صرّفنا [في] هذا القرآن، أي: بيّنا في هذا القرآن والآيات التي تقدم ذكرها - جميع ما يؤتى ويتقى، وما لهم وما عليهم؛ ليعتبروا [به] فيؤمنوا، وما يزيدهم القرآن إلا تباعداً من الإيمان به، وهو ما ذكر:ذَلِكَ مِمَّآ أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ... } الآية [الإسراء: 39].

وقال بعضهم: صرّفنا في هذا القرآن من المواعيد الشديدة أنه ما ينزل بهم في الآخرة من العذاب والعقوبة؛ بصنيعهم وتكذيبهم الرسل، لكن إذ لم يؤمنوا بالآخرة، لم يزدهم ذلك الوعيد إلاّ نفوراً وبعداً؛ فإن الله قد ذكر في القرآن المواعظ الكثيرة: ما لو نظروا فيه وتأملوا لكانت تمنعهم وتزجرهم عن مثل صنيعهم، لكن لم ينظروا إليه بالتعظيم؛ ولكن نظروا إليه بالاستهزاء والاستخفاف به؛ لذلك أضيف زيادة النفور إليه، أو أضاف ذلك إليه: لما أحدثوا بنزوله الكفر والتكذيب له؛ فأضاف ذلك إليه لما أزداد لهم التكذيب، وحدث لهم الكفر به إذا نزل، كما كان لأهل الإسلام يزداد لهم الإيمان واليقين إذا نزل.

السابقالتالي
2 3 4