قوله - عز وجل -: { وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ }. يعني: التوراة. { وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ }. كل كتب الله: هدى لمن استهدى، ورشد لمن استرشد، وبيان لمن استوضح؛ لأنها دعت إلى ثلاث خصال: دعت إلى معالي الأمور، ومكارم الأخلاق، وصالح الأعمال. ونهت عن ثلاث: عن مساوي الأعمال، وعن سفاسف الأمور، ودناءة الأخلاق ورداءتها. ذكر أنه جعل الكتاب هدى لبني إسرائيل؛ لأن منفعة الكتاب حصلت لهم: أنهم هم الذين استهدوا به؛ فعلى ذلك هو هدى لمن استهدى، والله أعلم. وقوله - عزّ وجلّ - { أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً }. أي: معتمداً، أي: قلنا لهم فيه، أو ذكرنا لهم فيه، أو أمرناهم فيه: ألا تتخذوا من دوني وكيلاً، أي: معتمداً موكولاً، الوكيل: هو موكول الأمر إليه، معتمد في الأحوال عليه، قائم في جميع ما وكل إليه بالتبرع والتفضل. وقوله - عزّ وجلّ -: { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ }. قال بعضهم: يعني بالذرية الأنبياء الذين كانوا من قبل، أي: كانوا من ذرية نوح ومن حمل معه، وهم بشر؛ قال: ذكر [هذا لإنكارهم] بعث الرسل من البشر؛ حيث قالوا:{ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [الإسراء: 94]. والثاني: يحتمل غيره، أي: من ذرية من حملنا مع نوح، أي: هؤلاء من ذرية من حملنا مع نوح؛ فكيف خالفوا آباءهم الذين كانوا على الهدى، وتابعوا غيرهم؟! أو يذكر أن هؤلاء الرسل من ذرية من حملنا مع نوح، [وهم بشر، فكيف أنكروا الرسول من بشر؟! ثم قال بعضهم: هو على النداء والدعاء: يا ذرّية من حملنا مع نوح] في السفينة - في أصلاب الرجال وأرحام النساء زمان الطوفان - لا تتخذوا من دوني وكيلاً، قيل: ربّاً وإلهاً، وقيل: شريكاً. وأصله ما ذكرنا أن الوكيل: هو المعتمد. { إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً }. يعني: نوحاً، قال بعضهم: سمّاه شكوراً؛ لأنه كان يذكر ربّه في كل أحواله، وقال بعضهم: الشكور هو الذي يبتغِي مرضات منعمِهِ، ويجتنب مساخطه، وقال بعضهم: الشكور هو المطيع لله. وقد ذكرنا معنى الشكر: أنه اسم المكافأة، أو يقال: كانت عبادته لله عبادة شكر لا عبادة استغفار، أي: كان شكوراً في عبادته لا مستغفراً. وقوله - عزّ وجلّ -: { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ }. اختلف في قوله: { وَقَضَيْنَآ }: قال الحسن وغيره: أوحينا إليهم وأخبرناهم وأعلمناهم في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين. وقال بعضهم: قضينا عليهم. وقال بعضهم: كتبنا عليهم فكيفما كان، ففيه نقض قول المعتزلة؛ لأنه أخبر: أنه أخبرهم وأعلمهم؛ على تأويل من زعم أن القضاء - هاهنا - هو الإعلام والإخبار لهم؛ فيقال لهم: كان أخبرهم وأعلمهم؛ ليصدق في خبره أوْلا: فإن كان أخبرهم ليصدق في خبره - فذلك منه حكم أنهم: ليفسدن في الأرض مرّتين؛ فإن كان تأويل القضاء: الكتاب والحكم، فهو ظاهر، وهو ما نقول: إن كل فاعلٍ فعلاً طاعة كانت أو معصية - كان بحكمه.