الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً } * { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } * { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } * { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } * { لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً }

قوله - عز وجل -: { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ }.

يحتمل هذا وجهين:

أحدهما: أنهم كانوا يعملون بأعمالهم الحسنة في حال كفرهم من نحو الإنفاق والصّدقات وبذل الأموال، وغير ذلك - يريدون بذلك العز والشرف والذكر في الدنيا؛ فأخبر أنه من أراد بما يفعل ذلك { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ }.

والثاني: يكون قوله: { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ } ،أي: لا يريد بها إلا جمع الأموال وسعتها { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ } ، ثم أخبر أنه لا كل من أرادها يعجل له ذلك، ولا كل ما أراد يعجل له ذلك؛ ولكن إنما يعجل ما أراد الله ولمن أراد شيئاً يعطي له ذلك، وثم أخبر عما يعطي في الآخرة من أراد العاجلة فقال:

{ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً }.

أي: مذموماً: يسمّى بأسماء قبيحة دنية مذمومة عند الخلق، أو يذم ويلام في النار، { مَّدْحُوراً }: مطروداً من الأسماء الحسنى ومن الخيرات، أو مبعداً عن رحمته.

وقوله: { مَذْمُوماً }: عند نفسه، أي: يذم نفسه يومئذ، أو مذموماً عند الملائكة والخلق جميعاً.

وفي قوله: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ } وجهان:

أحدهما: يحتمل أن يكون أراد بإهلاكه إياهم موتهم بآجالهم. يقول: هم كانوا عدداً قليلاً زمن نوح، ثم كثروا حتى صاروا قروناً، ثم ماتوا حتى لم يبق منهم أحد.

ويحتمل أن يكون الإهلاك - هاهنا - إهلاك استئصال: فهو يخرج على وجهين:

أحدهما: أنه قد استووا في هذه الدنيا - أعني العدو والولي - وفي الحكمة: التمييز بينهما والتفريق؛ فلا بد من دار يفَرَّق بينهما فيها ويميز.

والثاني: قد هلكوا جميعاً، وفي العقل والحكمة إنشاء الخلق للإفناء خاصّة بلا عاقبةٍ تقصد - عبثٌ باطل؛ فدل أن هنالك داراً أخرى هي المقصودة حتى صار خلق هؤلاء حكمة، وفيه إلزام البعث.

وقوله - عز وجل -: { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ }.

تفسير قوله: { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ }؛ كأنه قال: من كان يريد العاجلة، وهو كافر بربه مكذب بالآخرة { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ } ، ومن كان يريد الآخرة، وهو مؤمن بربه مصدق بالآخرة، { وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ } ، هذا يدل أنهم إنما أرادوا العاجلة بكفرهم بالآخرة، ثم أخبر أن من أراد بعمله في الدنيا الآخرة، ولها سعيها ما سعى، وهو مؤمن بها.

{ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً }.

أي: مَجزيّاً مقبولاً.

وقوله - عز وجل -: { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ }.

أي: المؤمن والكافر يعطى هذا وهذا، أي: لا نحرم عن العاجلة من أراد الآخرة؛ يخبر أولئك الكفرة بكفرهم بالآخرة أنه ليس يعطي الدنيا وسعتها لمن يكفر بالآخرة؛ ولكن يعطي من كفر بها ومن آمن بها؛ لئلا يحملهم ذلك على حبهم الدنيا وطلب العز والشرف فيها - على كفرهم بالآخرة؛ حيث قال: { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ } ، أي: يعطي المؤمن والكافر، والبَرّ والفاجر.

السابقالتالي
2 3