الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } * { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً } * { قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً } * { وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً } * { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً }

قوله عز وجل -: { وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ }.

قال الحسن: إن في القرآن حكماً وأنباء وحكمه عدل وأنباؤه صدق وحق، وهو كقوله:وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً } [الأنعام: 115]: [ { صِدْقاً } ]: ما فيه من الأنباء، و { وَعَدْلاً } ما فيه من الحكم، فبذلك الحق الذي فيه من الحكم العدل والأنباء الصدق أنزله.

ويقال: الصدق في الأخبار والأنباء، والعدل في الأحكام والحق.

وقوله - عز وجل -: { وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ }.

أي: بذلك الحق الذي به دام وقرَّ فيكم، أو كلام نحو هذا.

ويحتمل قوله: { وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ } أي: بالحق [الذي لله على عباده أنزله، وبالحق] الذي لبعضهم على بعض.

{ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ } ، أي: بذلك الحق الذي لله على خلقه دام واستقر [و] بالحق الذي لبعضهم على بعض ثبت واستقر.

وأصله أن قوله: (وبالحق الذي أنزلناه وبالحق الذي نزل) الحق: اسم كل محبوب ومحمود، والباطل: اسم كل مكروه ومذموم، فمن اتبعه صار محبوباً محموداً، ومن خالفه، وترك اتباعه صار مذموماً، أو أن يكون قوله: { وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ } أي: لم يأته التغيير والتبديل.

وقوله - عز وجل -: { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً }.

أخبر أنه لم يرسله إلا للبشارة والنذارة، لكن هذا في حق الرسالة لم يرسله إلا لهذين اللذين ذكروا؛ لأنه قد كان امتحنه في نفسه بمحن كثيرة فلم يكن في جميع الأوقات مشغولاً بهذين خاصّة، لكنه في حق الرسالة لم يرسله إلا لبشارة ونذارة، أي: لم يرسلك حافظاً، ولا وكيلاً، ولا مسلطاً عليهم، بل أرسلك لتبليغ الرسالة إليهم، ثم البشارة والنذارة؛ وهما أمران يكونان في عواقب الأمور البشارة تكون عاقبة كل محبوب ومحمود، والنذارة عاقبة كل فعل مكروه ومذموم.

ثم لقائل أن يقول في قوله: { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } البشارة: لمن أجابه فيما أمره به ودعاه إليه، والنذارة: لمن ارتكب ما نهى عنه، فكيف لا دلَّ هذا على أن النهي يوجب الحظر والتحريم، حيث ألحقه النذارة بارتكاب ما نهى عنه؟

قيل: إن النذارة: عاقبة كل مكروه ومذموم، والبشارة: عاقبة كل محبوب ومحمود، فيكون ذلك في الآداب وغيرها، ولأن الرسل لم يبعثوا إلا لتغيير مناكير وفواحش ظهرت في الخلق وغيره من الفواحش والمناكير، لم يبعثوا لصغائر ظهرت فيهم، ثم دخل الصغائر والآداب فيما أرسل تبعاً، وإلا كان سبب إرسالهم الكبائر والفواحش، فإذا كان ما ذكرنا، كان في النهي نهي أدب، ونهي حتم وحكم.

وبعد فإن الله - تعالى - قد أخبر أنه قد يعفو عن كثير من السيئات وما عفي عنه، لم يلحق فيه النذارة والوعيد، والله أعلم.

وقوله - عز وجل - { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ }.

بالتخفيف والتثقيل { فَرَقْنَاهُ }.

قال بعضهم: { فَرَقْنَاهُ } بالتخفيف، أي: أحكمناه، وثبتناه؛ حتى لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه.

السابقالتالي
2 3