الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً } * { قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً } * { فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً } * { وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً }

قوله - عز وجل -: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ }.

هذا - والله أعلم - فيما آتاه من الآيات وأمره أن يحاج بها فرعون، وإلا كانت آيات موسى - عليه السلام - أكثر من تسع، كأنها تبلغ عشرين، وتزداد عليها؛ إذ كان في عصاه أربع من الآيات:

إحداها: حيث ضرب بها البحر فانفلق.

و[الثانية]: حيث كان يضرب بها الحجر فينفجر منه عيوناً.

و[الثالثة]: حيث ألقاها فصارت ثعباناً.

و[الرابعة]: حيث كانت تلقف حبالهم وعصيهم، وأمثاله، كأنها تبلغ إلى ما ذكرنا، لكنه ذكر تسع آيات بينات التي أمره أن يحاج بها فرعون، وقومه.

وقوله - عز وجل -: { بَيِّنَاتٍ }.

أنها من عند الله جاءت، وأنها ليست من البشر، وأنها سماوية.

و { بَيِّنَاتٍ } ، أي: مبينات ما يبيّن صدق موسى في جميع ما يخبر، ويقول: ويبين عدله في حكمه وفعله؛ لأن في آيات الرسل يحتاج إلى هذا: أن تبين للناس صدقهم في قولهم، وعدلهم في حكمهم، [و] أنهم يدعون إلى عبادة الله، والطاعة له، وذلك يجب على كل [ذي] عقل وطبع سليم، فالحاجة إلى الآيات ليست إلا لصدقهم وعدلهم في حكمهم.

ثم اختلف في الآيات:

قال بعضهم: العصا، واليد، والحجر، والطمس، والخمس التي ذكر في سورة " المص " ، وهو قوله:فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ... } [الأعراف: 133].

وقال بعضهم: الخمس التي ذكر في سورة " المص " ، والعصا، والموت الذي أرسل عليهم، واليد البيضاء، وانفلاق البحر.

وقال بعضهم: إنها الخمس التي ذكر في سورة " المص " ، واليد، وحل العقدة التي بلسانه، وفي العصا آيتان.

وقال ابن عباس - رضي الله عنه - العصا، واليد، والسنون، ونقص من الثمرات.

ثم منهم من يجعل السنين ونقصاً من الثمرات آية واحدة، ومنهم من يجعلهما آيتين، وكذلك العصا، منهم من يجعلها آية واحدة، ومنهم من يجعلها آيتين، ومنهم من يعد الطمس، ومنهم من لا يعد.

ونحن نجعل العصا آية واحدة، والسنين، ونقصاً من الثمرات آية واحدة والطمس آية، والخمس التي ذكرت في سورة " المص " ، فتكون ثمانياً فتكون التاسعة قوله: { لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ }؛ لأنه قال: لقد علمت أنها آيات، ولم يكذبه فرعون، ولم يستقبله بشيء يكذبه في قوله، وهو ما قال:وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } [النمل: 14]، أخبر أنهم جحدوا بها بعدما استيقنوا أنها آيات، وحجج ظلماً وعلوّاً، وما روى صفوان بن عسال المرادي: أنه قال: " إن يهوديين أتيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن التسع آيات التي ذكر أنه آتاها موسى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تفروا من الزحف، وعليكم خاصّة يا يهوديان ألا تعدوا في السبت " ، قال فقبلا يديه، ورجليه، وقالا: نشهد أنك نبي الله، فقال - عليه السلام -: " فما يمنعكما أن تسلما؟ " قالا: إنا إن أسلمنا يقتلنا اليهود ".


السابقالتالي
2 3