الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } * { قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً } * { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } * { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } * { ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً } * { قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً }

قوله - عز وجل -: { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ } أي: إذ جاءهم الرسول بالهدى { إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } ، وقال في آية أخرى:وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } [الكهف: 55]، لكن هذا على الإياس عن إيمانهم، إنهم لا يؤمنون إلا عند معاينتهم بأس الله، والإيمان في ذلك الوقت لا يقبل ولا ينفعهم.

وأما قوله: { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } ، فيخرج هذا القول منهم مخرج الاحتجاج: لو شاء الله أن نؤمن لأنزل ملائكة كقوله:قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً } [فصلت: 14]. ففيه يوضح الشبهة لهم أن يقولوا: هو بشر [ونحن بشر] فليس هذا أولى بالرسالة إلينا من أن نكون نحن رسلاً إليه، فذلك موضع الشبهة، فأجابهم لذلك لما استنكروا واستبعدوا بعث الرسول إليهم من جوهرهم وجنسهم، فقال: { قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ } أي: مقيمين ساكنين فيها { لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً }؛ ثم اختلف فيه.

قال بعضهم: { لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ } ، أي: لو كان سكان الأرض ملائكة، فبعث إليهم رسولاً منهم أكان لهم أن يقولوا: أَبَعَثَ اللهُ مَلَكاً رَّسُولاً، أي: أبعث الله إلينا من جوهرنا؟! أي: ليس لهم أن يقولوا ذلك؛ فعلى ذلك إذا كان سكانها البشر ليس لهم أن يقولوا: أبعث الله إلينا من جوهرنا رسولاً.

والثاني: لو كانت الأرض مكان الملائكة، وهم سكانها، لكان لكم أن تقولوا: { أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } من غير جوهرنا، فأمّا إذا كانت الأرض مكان البشر، وهم سكانها، فليس لهم أن ينكروا بعث الرسول منهم ومن جوهرهم؛ لأنهم لا يعرفون الملائكة، ولا من كان من غير جوهرهم، ويعرفون من كان من جوهرهم، فبعث الرسول من جوهرهم أولى بهم من غير جوهرهم.

أو يقول: لو كان في الأرض ملائكة وبشر، فعرفوا الملائكة، لكان لهم أن يسألوا رسولاً من الملائكة لما عرفوهم، فأمّا إذا كان سكان الأرض ليسوا إلا بشراً فليس لهم أن يقولوا ذلك؛ لأنهم لم يعرفوا قوى الملائكة، ولا قوى الجن، وقد عرفوا قوى البشر فيعرفون الآيات والحجج من التمويهات إذ عرفوا قواهم ولم يعرفوا قوى الملائكة والجنّ؛ فلا يعرفون ما أقاموا أنها آيات وحجج، أو كان ذلك بقواهم، ويعرفون ذلك من البشر إذا خرجت من احتمال وسعهم وقواهم.

وبعد فإنهم قد أقروا برسالة البشر؛ لأنهم لا يعرفون الملائكة إلا بخبر من البشر أنه ملك؛ إذ لم يكن [لهم خلطة معهم] ليعرفوهم؛ وإنما يعرفونهم بخبر من البشر: أنه ملك؛ فليس لهم أن ينكروا رسالة البشر.

السابقالتالي
2 3 4 5