الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } * { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ } * { وَأَلْقَوْاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } * { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ }

قوله: { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً }.

قال بعضهم: شهيدها: أن يشهد عليهم من نحو ما ذكر من شهادة جوارحهم عليهم، وهو قوله:يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ... } الآية [النور: 24]، وقوله:شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم... } الآية: [فصلت: 20]، وقوله:يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } [الزلزلة: 4]، ونحو ذلك من الآيات التي فيها ذكر الشهادة عليهم؛ عند إنكارهم أعمالهم التي عملوها.

وقال بعضهم: شهيدها: رسولها الذي بعث إليهم يشهد عليهم أنه قد بلغ إليهم رسالات ربهم، وهو كقوله:وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [فاطر: 24]، والنذير: هو الرسول المبعوث إليهم، وهو ما ذكر - أيضاً -:فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ } [النساء: 41]، وكقوله:وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [البقرة: 143] وقال: { وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ } [النحل: 89].

أخبر أنه يجيء بمحمد صلى الله عليه وسلم شهيداً على أولئك: أن الرسل قد بلغوا الرسالة إليهم، وهو ما ذكر:فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الأعراف: 6]، وقوله:يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ... } الآية [المائدة: 109]، وقوله:وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ } [القصص: 65]: يسأل الرسل عن تبليغ الرسالة إلى قومهم، ويسأل قومهم عما أجابوا الرسل. إلى هذا يذهب بعض أهل التأويل، والله أعلم.

جميع ما ذكر في القرآن من مجيئه وإنبائه ونحوه جائز أن يكون ذلك البعث تفسير ذلك كله.

قوله: { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ }: كذا من ذلك، وقوله:وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ } [الفجر: 22]، وهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ } [البقرة: 210]، وقوله:فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ } [النساء: 41] فهو البعث، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ }.

قال الحسن: لا يؤذن لهم بالاعتذار؛ لأنه لا عذر لهم، وهو ما قال:هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ* وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [المرسلات: 35-36]؛ لأنه لا عذر لهم، واعتذارهم لا ينفع لهم شيئاً؛ إذ اعتذارهم من نحو قولهم:رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا } [الأعراف: 38]، وقولهم:لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } [سبأ: 31] ونحو هذا مما لا ينفعهم ذلك؛ فلا يؤذن لهم بذلك.

{ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ }.

قال الحسن: ولا هم يقالون، وكذلك قال في قوله:وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } [فصلت: 24]، أي: من المقالين، أي: لا يقالون مما كان منهم.

وقال بعضهم: لا يؤذن لهم ولا يمكن لهم من التوبة والرجوع عما كانوا؛ لأن ذلك الوقت ليس هو وقت التوبة والرجوع، كقوله:فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ } [غافر: 84]، وهذه الآية، وقال:فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ } [غافر: 85]، ونحوه. { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } العتاب في الخلق: هو تذكير ما كان من الفرط؛ ليرجع عما كان منه، وذلك في الآخرة لا يحتمل.

السابقالتالي
2 3 4 5