الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لأَيٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ }

قوله - عز وجل -: { أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ }.

أي: من قدر على إمساك الطير، وهي أجسام كغيرها من الأجسام في الهواء بلا إعانة في الأسفل ولا تعلق بشيء من الأعلى، لقادر على إنشاء الخلق وإعادتهم بعد الفناء.

أو يقول: أو لم يروا إلى اللطف الذي جعل في الطير، والحكمة التي أنشأ فيها حتى قدرت على الاستمساك في الهواء، والطيران في الجو: ما لو اجتمع الخلائق جميعاً أن يدركوا ذلك اللطف أو تلك الحكمة - ما قدروا على إدراكه.

وفي ذلك نقض قول المعتزلة؛ لأن الطيران فعل الطير، ثم أضاف ذلك إلى الله حيث قال: { مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ }: دلّ ذلك أن لله في ذلك صنعاً وفعلاً.

وقوله - عز وجل -: { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لأََيٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }.

جميع ما ذكر يكون آية لمن آمن؛ لأنه هو المنتفع.

قال أبو عوسجة: لمح البصر: سرعة النظر، وجوّ السماء: هواؤها، ويقال: بطن السماء، ويقال: جوف السماء، ويقال: الجوّ: ما اطمأن من الأرض. والأوّل أشبه.

وقوله - عز وجل -: { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً }.

ظاهر هذا أنه قد جعل لنا من البيوت - أيضاً - ما ليس بسكن؛ لأنه قال: { جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً } ، وهو ما ذكر في قوله:لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ } [النور: 29]: وهو كالمساجد والرباطات وغيرها. ويشبه أن يكون ذكر هذا؛ ليعرفوا عظيم مننه ونعمه، حيث جعل الأرض بمحل يقرّون عليها ويمكن لهم المقام بها؛ بالرواسي التي ذكر أنه أثبت فيها بعدما كانت تميد بهم ولا تقر بها، أخبر أنه [جعل] فيها رواسي أو أن يكون حرف (من) صلة، أي: جعل لكم بيوتاً تسكنون فيها.

ثم قوله: { جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً } يحتمل وجهين:

أحدهما: أي: سخر لكم الأرض حتى قدرتْم على اتخاذ المساكن فيها تسكنون.

أو جعل لكم بيوتاً، أي: علمكم تسكنون فيها.

ثم قوله: { جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً }: أي [علمكم] ما تبنون فيها من البيوت ما لولا تعليمه إياكم ما تقدرون على بناء البيوت فيها؛ يذكر مننه عليهم، والله أعلم.

وفي هذه الآيات في قوله: { جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً }. ونحوه: دلالة نقض قول المعتزلة؛ لأنه ذكر أنه جعل بيوتاً سكناً، والسكن فعل العباد؛ دلّ أنّ لله في فعلهم صنعاً.

{ وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً } ، قال أهل التأويل: { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً } ، أي: من صوفها، لكنه أضافها إلى الجلود؛ لما من الجلود يخرج، ومنها يجزّ ويؤخذ، وهو ما ذكر.

السابقالتالي
2 3