الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } * { وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } * { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }

قوله - عز وجل -: { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ }.

قد ذكرنا قوله: { بِٱلْحَقِّ } في غير موضع أنه لم يخلقهما وما فيهما عبثاً، إنما خلقهم لأمر كائن، أو للمحنة، والجزاء، ونحوه.

وقوله - عز وجل -: { تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }.

من [لا يخلق، ولا ينفع]، ولا يضر، ولا يدفع في الذي يخلق، وينفع، ويضّر، ويدفع تعالى عن ذلك وتبرأ.

وقوله - عز وجل -: { خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ }.

يذكرهم - عز وجل - نعمه عليهم، وقدرته، وسلطانه، وعلمه؛ لأنه لو اجتمع الخلائق كلهم؛ على أن يدركوا المعنى الذي به تصير النطفة نسمة وإنساناً - ما قدروا عليه حيث خلق من النطفة إنساناً على أحسن تقويم؛ وأحسن صورة.

وفيه نقض قول الدهرية؛ حيث أنكروا خلق الشيء من لا شيء؛ لأنهم لم يدركوا المعنى الذي به خلق الإنسان من النطفة؛ فيلزمهم أن يقروا بخلق الشيء من لا شيء، وإن لم يشاهدوا ذلك ولم يدركوا، وفيه دلالة البعث؛ لأن من قدر على إنشاء الإنسان من النطفة؛ وليس فيها من آثار الإنسان شيء يقدر على البعث وإنشاء الأشياء؛ لا من شيء.

وقوله - عز وجل -: { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ }.

قال بعضهم: { خَصِيمٌ }: هو الذي يجادل بالباطل { مُّبِينٌ }: أي: ظاهر مجادلته بالباطل ومخاصمته.

وقال بعضهم: الخصيم: هو الجدل الذي يجادل فيما كان.

قال أبو عوسجة: الخصيم: هو المخاصِم، والمخاصَم كلاهما خصيم، ويقال: فلان [خصيمي أي:] خصمي.

مبين: ظاهر خصومته، والخصيم: هو الفعيل، والفعيل: قد يستعمل في موضع الفاعل والمفعول جميعاً؛ فكأنه قال: فإذا هو خصيم مبين: أي: منقطع عن الخصومة؛ بيّن انقطاعه، وهو ما ذكر من خصومته في آية أخرى؛ وانقطاع حجته؛ حيث قال:أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } [يس: 77-78] فهذا احتجاج عليه؛ فانقطعت حجته، وبهت الذي أنكر قدرته على البعث؛ حيث لم يتهيأ له جواب ما احتج عليه.

وقوله - عز وجل -: { وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا }.

يحتمل قوله: { خَلَقَهَا لَكُمْ } على الظاهر؛ أن خلق هذه الأشياء وخلق لنا فيها دفئاً ومنافع؛ كقوله:هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } [البقرة: 29].

ويحتمل قوله: { وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ }: أي: هو خلقها، ثم أخبر أنه خلق لنا فيها منافع يذكر أنواع المنافع والنعم التي أنعم علينا، مفسرة مبينة، واحدة بعد واحدة؛ في هذه السورة، وفي غيرها من السور، إنما ذكرها مجملة غير مشار إلى كل واحدة منها؛ على ما أشار في هذه السورة؛ ليقوموا بشكرها، وليعلموا قدرته على خلق الأشياء لا من الأشياء.

ثم قوله: { فِيهَا دِفْءٌ }: قال بعضهم: الدفء نسل كل دابة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6