الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } * { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } * { وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ } يذكر - عز وجل - قدرته وسلطانه، حيث أخبر أنه ينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض وهي ميتة، ويخرج منها نباتاً وزروعاً وأشجاراً، فمن قدر على هذا لقادر على إحياء الأنفس بعد موتها لأنه لا فرق بين الإحياءين [إحياء الأرض وإحياء الأنفس]، إذ من قدر على أحدهما قدر على الآخر { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } فيما ذكر { لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } قال بعضهم: لآية لقوم يسمعون المواعظ.

وقال بعضهم: لآية لقوم يسمعون الآيات والحجج، وأما من لم يسمع فلا يكون له آية، وأصله: إن في ذلك لآية لقوم ينتفعون بسماعهم، ولآية لقوم يعقلون، أي: ينتفعون بعقولهم، وأصله أن هذا كله يصير آية للمؤمنين على ما ذكر كله؛ لأنهم هم العاقلون عن الله ما أمرهم به ونهاهم عنه، وهم يسمعون آياته ومواعظه، وكله كناية عن المؤمنين، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً } والعبرة الآية، أي: أنشأ لكم أنعاماً فيه الآية، هو صلة قوله: { وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ } أي: أنزل من السماء ماء، وأنشأ الأنعام لكم فيه الآية أنشأ - عز وجل - في الأنعام لبناً غذاء الأولاد، في الوقت الذي لا يحتمل الغذاء بالعلف، وجعل لأربابها الانتفاع بذلك اللبن وفي الأشياء التي لا يؤكل لحمها لم يجعل لأربابها الانتفاع بما يفضل من اللبن، ولم يجعل لها فضل لبن.

وقوله - عز وجل -: { نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } ذكر بالتذكير، فظاهره أن يذكر بالتأنيث؛ لأنه إما أن يريد به الأمهات التي يدر منها اللبن أو جماعة من الذكران منها، فكيفما كان فهو يذكر بالتأنيث، لكن بعضهم يقول: ذكر باسم التذكير على إرادة الأصل الذي به كان اللبن، وهو الفحل، وهذا يدل لأبي حنيفة وأصحابه - رحمهم الله - لقولهم في لبن الفحل أنه يحرم.

وقال بعضهم: ذكر باسم التذكير على إرادة الجنس والجوهر من بين الأجناس والجواهر دون العدد والجماعة.

وقوله - عز وجل -: { مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } قال ابن عباس رضي الله عنه: يعني استخراج اللبن من بين فرث ودم، وذلك أن العلف إذا وقع في الكرش [طبخه الكرش] فيجعل الفرث أسفله والدم أعلاه واللبن بين ذلك، ثم يسلط الكبد عليهم فيجري الدم في العروق، واللبن في الضرع، ويُبقي الفرث في الكرش كما هو.

وقال بعض الفلاسفة: إن العلف إذا وقع فيه يصير منه فرثاً، ثم يصير منه دماً، ثم يصير لبناً خالصاً، فهو كالنطفة التي وقعت في الرحم، تصير علقة، ثم تصير مضغة مأكولة، فعلى ذلك اللبن [الذي] ذكر والله أعلم.

السابقالتالي
2