الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَٱرْهَبُونِ } * { وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ } * { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } * { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } * { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ }.

لا نعلم الخطاب بهذا أنه [لمن كان] الخطاب بهذا ألأهل مكة؛ فهم [قد] اتخذوا آلهة بقولهم:أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً... } الآية [ص: 5] إلا أن يخاطب به الثنوية والزنادقة، فإنهم يقولون باثنين، ويشبه أن يكون أهل مكة وإن اتخذوا آلهة فإنهم في الحقيقة عباد إلهين؛ لأنهم إنما كانوا يعبدون تلك الأصنام بأمر الشيطان وطاعتهم إياه، فنسب العبادة إليه؛ لما بأمره يعبدون هذه الأصنام والله أعلم؛ ألا ترى أن إبراهيم قال لأبيه:يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ } [مريم: 44] وإن كان في الظاهر لا يعبد الشيطان، لكن لما بأمره يعبد الأصنام أضاف العبادة إليه، أو أن يكون المراد من ذكر اثنين: إنما هو على الزيادة على الواحد، كأنه قال: لا تتخذوا ولا تعبدوا أكثر من إله واحد.

وقوله - عز وجل -: { فَإيَّايَ فَٱرْهَبُونِ }.

لا تخافون الأصنام التي تعبدونها؛ فإنكم إن تركتم عبادتها لا تضركم.

وقوله - عز وجل -: { وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }.

أي: وله يخضع ما في السماوات والأرض وأنتم لا تخضعون، أو ما في السماوات والأرض كلهم عبيده وإماؤه؛ فكيف أشركتم عبيده في ألوهية الله تعالى وربوبيته؟

وقوله - عز وجل -: { وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً }.

قال بعضهم: دائماً؛ لأن غيره من الأديان كلها يبطل ويضمحل، ويبقى دينه في الدارين جميعاً.

وقال بعضهم: { وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً } أي: مخلصاً، من الوصب [والنصب] والتعب، وتأويله - والله أعلم -: أي: وله دين لا يوصل إليه إلا بتعب وجهد؛ فاجتهدوا واتعبوا؛ لتخلصوا له الدين؛ هذا معنى قوله: (مخلصا).

وقوله - عز وجل -: { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ }.

أي: أمخالفة غير الله تتقون؛ أي: لا تخافوا ولكن اتقوا مخالفة [الله لا تتقوا مخالفة] غيره.

أو يقول: لا تخافوا غير الله ولا تتقوا سواه، ولكن اتقوا الله واتقوا نقمته.

وقوله - عز وجل -: { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ }.

أي: تتضرعون؛ يخبر عن سفههم وقلة عقلهم أنهم يعلمون أن له ما في السماوات والأرض، وأن كل ذلك ملكه، وأن ما لهم من النعمة منه، وأن ما يحل بهم من البلاء والشدة هو الكاشف لهم والدافع عنهم، ثم يكفرونه ويصرفون شكرها منه إلى غيره في حال الرخاء والسعة، ويؤمنون به في حال الشدة والبلاء؛ فيقول: أنا المنعم عليكم تلك النعم، وأنا المالك للكشف عنكم لا الأصنام التي عبدتموها، فكيف كفرتم بي في وقت الرخاء والسّعة وآمنتم بي في وقت الضيق والبلاء؟! كانوا يخلصون له الدين في وقت ويشركون غيره في وقت، فيقول: أديموا لي الدين بقوله: { وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً } ولا تتركوا الإيمان بي في وقت وتؤمنوا بي في وقت، وكذلك كان عادتهم: كانوا يكفرون بربهم في حال الرخاء والسعة، ويؤمنون به في حال البلاء والشدة؛ كقوله:

السابقالتالي
2 3