الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ } * { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } * { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }

قوله - عز وجل -: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ }.

قوله: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ }.

يحتمل وجهين:

أحدهما: أن قال ذلك لقوم قد تقرر عندهم وثبت أن كل شيء يسجد لله ويخضع له، فقال ذلك لهم على العتاب: إنكم قد علمتم أن كل شيء لم يركب فيه العقل، ولم يجعل فيه الفهم والسمع يخضع لله ويسبح له، فأنتم لا تخضعون له مع ما ركب فيكم العقول وجعل فيكم الأفهام وغيرها.

والثاني: على الأمر؛ أي: اعلموا أن كل شيء من خلق الله يسجد له ويخضع، وقد أقام عليهم من الحجة على ذلك ما لو تأملوا وتفكروا لعلموا أن كل ذلك يخضع ويسبح، وإلا ظاهر قوله: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ } أن يقولوا: لم تر أن كان الخطاب لأهل مكة على ما ذكره أهل التأويل، لكن يخرج على هذين الوجهين اللذين ذكرتهما، ويشبه أن يكون ذكر قوله: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ... } الآية لما استوحش أهل الإسلام مما عبد أولئك الكفرة الأصنام، وعظيم ما قالوا في الله ما قالوا، فقال لذلك: أولم يروا إلى كذا.

وقوله: { يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ }.

قال بعضهم: يريد بالظلال شخص ذلك الشيء، والظلال كناية عن الشخص، كما يقال: رأيت ظل فلان؛ أي: شخصه.

وقال بعضهم: أراد بالظل الظلَّ نفسه، لكن خضوعه وسجوده يكون للشمس والقمر.

وعلى تأويل من يجعل الظل كناية من الشخص يجعل كل نفس تفيء خضوعاً وسجوداً.

ثم معنى سجود: هذه الأشياء الموات وخضوعهن، من نحو قوله: { يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ }.

ومن نحو قوله:يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } [ص: 18] وقوله:يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ } [سبأ: 10] وقوله:وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } [الإسراء: 44] وقوله:تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } [مريم: 90] وأمثاله.

يحتمل وجوهاً:

أحدها: أن يجعل الله - عز وجل - بلطفه في سرية هذه الأشياء معنى تعلم السجود لله والخضوع له، وهو كما ذكر في الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب، أخبر أنها تجري بأمره، دل أنها تعلم أمر الله.

وقوله:شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } [فصلت: 20-21].

أخبر أنها تشهد وتنطق، ولو [لا] أنها تفهم وتعلم الخطاب؛ وإلا ما خوطبت، وإن كانت مواتاً فعلى ذلك تسبيحها وخضوعها جائز أن يكون الله يجعل في سرية هذه الأشياء ما تعرف السجود والتسبيح وتفهمه.

والثاني: يكون سجود هذه الأشياء وتسبيحها بالتسخير، جعلها مسخرات لذلك، وإن لم تعلم هي ذلك ولم تعرف، لكن جعلها بالخلقة كذلك.

السابقالتالي
2