الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } * { أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ } * { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }

قوله - عز وجل -: { أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ }.

قوله: { أَفَأَمِنَ }.

قد ذكرنا أنه حرف استفهام؛ إلا أنه من الله غير محتمل ذلك، وهو على الإيجاب.

ثم هو يخرج على وجهين:

أحدهما: على الخبر أنهم قد أمنوا مكره.

والثاني: على النهي؛ أي: لا تأمنوا؛ كقوله:أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [الأعراف: 99].

هذا يشبه أن يكون على هذا الذي ذكرنا أنه إخبار عن أمنهم مكر الله، وعلى النهي ألا يأمنوا، ثم أخبر أنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون الكافرون؛ لأنهم كذبوا الرسل فيما أوعدوا لهم من العذاب، فأمنوا لذلك، أو لما لم يعرفوا الله، ولم يعرفوا حقوقه، ونعمته، ونقمته، فأمنوا لذلك وأمّا من عرف الله؛ وعرف حقه، ونعمته، وعرف نقمته؛ فإنه لا يأمن مكره، والله أعلم.

ثم قوله: { مَكَرُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ }.

قال بعضهم: مكرهم السيئات: هو ما مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما لو أصابهم ذلك لساءهم، وما ظاهروا عليهم عدوهم.

وقال بعضهم: مكرهم السيئات: هو أعمالهم التي عملوها، وكل ذلك قد كان منهم، كانوا مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكانوا ظاهروا عليهم عدوهم، وقد عملوا أعمالهم الخبيثة السيئة.

وقوله - عز وجل -: { أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلأَرْضَ }.

أي: أمنوا حين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض، أو يأخذهم العذاب من حيث لا يشعرون في الحال التي لا يكون لهم أمن ولا خوف.

وقوله - عز وجل -: { أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ }.

قيل: في أسفارهم وفي تجاراتهم؛ لأن الناس إنما يسافرون ويتجرون في البلدان في حال أمنهم.

{ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ }.

قال بعضهم: على تقريع، وقال: على تنقيص من الأموال وغيره؛ كقوله:وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ... } الآية [البقرة: 155] وقال بعضهم: { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ } أي: يأخذ قرية فقرية؛ وبلدة فبلدة، حتى يأتي قريباً منهم، ثم يأخذهم، كلما أخذ قرية كان لهم من ذلك خوف، فذلك أخذ بتخوف، وهو ما قال:وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ... } الآية [الرعد: 31] وعد الله حلوله قريباً من دارهم، كان يخوفهم حتى نزل بساحتهم، فذلك أخذ بالتخوف، يخبر أن عذابه لا يؤمن حلوله.

وأخذه إياهم في كل حال؛ في الحال التي ليس لهم أمن ولا خوف؛ أي: لم يغلب هذا على هذا، وفي الحال التي يكونون آمنين في تقلبهم وحوائجهم، وفي الحال التي يكونون متخوفين.

وقوله - عز وجل -: { فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }.

حيث لم يستأصلكم، ولم يأخذكم بما كان منكم من الافتراء على الله، والتكذيب لرسله، والمكابرة، والمعاندة لآياته وحججه وقتئذ، ولكن أمهلكم وأخر ذلك عنكم.

أو رءوف رحيم إذا تبتم ورجعتم عما كان منكم يرحمكم ويغفر لكم ذلك.