الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلاغُ ٱلْمُبِينُ } * { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

قوله - عز وجل -: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ، وقال في سورة الأنعامكَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم } [الأنعام: 148] وقال:قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ } [الأنعام: 148] وقال هاهنا: { فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلاغُ ٱلْمُبِينُ }.

و (هل): هو حرف استفهام في الظاهر، لكن المراد منه: ما على الرسول إلا البلاغ المبين؛ [على ما قاله أهل التأويل، ما قد كان من الله من البيان أن ليس على الرسل إلا البلاغ المبين]. وكذلك قوله:هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ } [النحل: 33] أي: ما ينظرون إلا أن تأتيهم كذا. وكذلك قوله:أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ } [النجم: 24] (أم): هو حرف شك، ومراده: [ما] للإنسان ما تمنى، وأمثاله لما سبق من الله ما يبين لهم أن ليس للإنسان ما تمنى، وقد ذكر [تأويل] قوله: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } في سورة الأنعام.

ويحتمل قولهم هذا وجوهاً:

أحدها: قالوا ذلك على الاستهزاء [به]؛ كقوله:وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } [مريم: 66].

والثاني: قولهم: { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } أي: لو أمر الله أن نعبده ولا نعبد غيره لفعلنا؛ كقوله:وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا... } الآية [الأعراف: 28].

والثالث: قالوا: لو لم يرض الله منا ذلك ما تركنا فعلنا ذلك؛ ولكن أهلكنا.

وقوله - عز وجل -: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً }.

يخبر رسوله أنك لست بأول [رسول] مبعوث إلى أمتك؛ ولكن قد بعث إلى كل أمّة رسولٌ، وهو كقوله:وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [فاطر: 24] يصبّره على ما يصيبه منهم من المكروه والأذى؛ أي: لست أنت بأول من يصيبه ذلك، بل كان لك قبلك [إخوان] أصابهم من أممهم ما يصيبك من أمتك.

وقوله: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ }.

هو على الإضمار؛ كأنه قال: ولقد بعثنا في كل أمة رسولا وقلنا لهم: قولوا: { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ... } الآية، { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ } على ذلك كان بعث الرسل جميعاً إلى قومهم بالدعاء إلى توحيد الله؛ وجعل العبادة له، والنهي عن عبادة الأوثان دونه؛ كقوله:قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } [هود: 50].

ويكون قوله: { وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ }: [كقوله:]مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } [المؤمنون: 23] هما واحد.

والطاغوت: قال بعضهم: كل من عبد دون الله فهو طاغوت.

وقال الحسن: الطاغوت هو الشيطان، أضيف العبادة إليه بقوله:لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ } [يس: 60] لأن من يعبد دونه يعبد بأمره، فأضيف لذلك إليه، وقد ذكرنا هذا أيضاً فيما تقدم.

السابقالتالي
2