قوله - عز وجل -: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ، وقال في سورة الأنعام{ كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم } [الأنعام: 148] وقال:{ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ } [الأنعام: 148] وقال هاهنا: { فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلاغُ ٱلْمُبِينُ }. و (هل): هو حرف استفهام في الظاهر، لكن المراد منه: ما على الرسول إلا البلاغ المبين؛ [على ما قاله أهل التأويل، ما قد كان من الله من البيان أن ليس على الرسل إلا البلاغ المبين]. وكذلك قوله:{ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ } [النحل: 33] أي: ما ينظرون إلا أن تأتيهم كذا. وكذلك قوله:{ أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ } [النجم: 24] (أم): هو حرف شك، ومراده: [ما] للإنسان ما تمنى، وأمثاله لما سبق من الله ما يبين لهم أن ليس للإنسان ما تمنى، وقد ذكر [تأويل] قوله: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } في سورة الأنعام. ويحتمل قولهم هذا وجوهاً: أحدها: قالوا ذلك على الاستهزاء [به]؛ كقوله:{ وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } [مريم: 66]. والثاني: قولهم: { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } أي: لو أمر الله أن نعبده ولا نعبد غيره لفعلنا؛ كقوله:{ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا... } الآية [الأعراف: 28]. والثالث: قالوا: لو لم يرض الله منا ذلك ما تركنا فعلنا ذلك؛ ولكن أهلكنا. وقوله - عز وجل -: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً }. يخبر رسوله أنك لست بأول [رسول] مبعوث إلى أمتك؛ ولكن قد بعث إلى كل أمّة رسولٌ، وهو كقوله:{ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [فاطر: 24] يصبّره على ما يصيبه منهم من المكروه والأذى؛ أي: لست أنت بأول من يصيبه ذلك، بل كان لك قبلك [إخوان] أصابهم من أممهم ما يصيبك من أمتك. وقوله: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ }. هو على الإضمار؛ كأنه قال: ولقد بعثنا في كل أمة رسولا وقلنا لهم: قولوا: { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ... } الآية، { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ } على ذلك كان بعث الرسل جميعاً إلى قومهم بالدعاء إلى توحيد الله؛ وجعل العبادة له، والنهي عن عبادة الأوثان دونه؛ كقوله:{ قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } [هود: 50]. ويكون قوله: { وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ }: [كقوله:]{ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } [المؤمنون: 23] هما واحد. والطاغوت: قال بعضهم: كل من عبد دون الله فهو طاغوت. وقال الحسن: الطاغوت هو الشيطان، أضيف العبادة إليه بقوله:{ لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ } [يس: 60] لأن من يعبد دونه يعبد بأمره، فأضيف لذلك إليه، وقد ذكرنا هذا أيضاً فيما تقدم.