الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً }.

قال أهل التأويل: هذا قول المؤمنين؛ مقابل قول المشركين:وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [النحل: 24].

ثم اختلف في قوله: { قَالُواْ خَيْراً }: قال بعضهم: قوله: { قَالُواْ خَيْراً } أي: قولهم الذي قالوا أنه أرسل بحق، وأنه كذا خير.

وقال بعضهم: قوله: { قَالُواْ خَيْراً } حكاية عما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: و { خَيْراً }: أي: أنزل عليه ربنا خيراً، أو أن يكون الناس الذين يأتون من الآفاق يسألون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا سألوا للمؤمنين: ماذا أنزل ربكم؟ قالوا: خيراً، وإذا سألوا الكفرة قالوا: أساطير الأولين.

وجائز أن يكون أتباع المؤمنين سألوا كبراءهم: ماذا أنزل ربكم؟ قالوا: خيراً، مقابل ما كان من كبراء الكفرة لأتباعهم أساطير الأولين.

وقوله - عز وجل -: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } من النصر لهم، والظفر على عدوهم.

{ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ } لهم مما كان أعطاهم في الدنيا.

وقال بعضهم: للذين أحسنوا العمل في هذه الدنيا لهم حسنة في الآخرة، ولدار الآخرة خير [لهم مما كان أعطاهم في الدّنيا]؛ أي: الجنة خير وأفضل للمؤمنين مما أوتوا في الدنيا.

{ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ }:

قال هذا للمؤمنين مكان ما قال للكافرين:فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } [النحل: 29] ثم نعت الدار التي وعد المتقين؛ فقال: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ } من اللذات والشهوات.

فإن قيل: أرأيت لو شاءوا أن يكون لهم درجات الأنبياء ومنازل الأبرار والصديقين؛ أيكون لهم ما شاءوا؟

قيل: لا يشاءون هذا؛ لأن مثل هذا إنما يكون في الدنيا إمّا حسداً؛ وإمّا تمنياً، فلا يكون في الجنة حسد؛ لأن الحسد هو [أن يرى] لأحد شيئاً ليس له؛ فيحسد أو يتمنى مثله، فأهل الجنة يجدون جميع ما يتمنون ويخطر ببالهم، فلا معنى لسؤالهم ربهم ما لغيرهم، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } ظاهر.

وقوله - عز وجل -: { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ }.

على تأويل الحسن: تتوفاهم الملائكة وهم طيبون من بين يدي الله يوم الحساب، يقولون لهم: { سَلامٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } وقد ذكرنا: أن السلام هو تحية؛ جعل الله بين الخلق في الدنيا والآخرة؛ وقد ذكرناه في غير موضع.

وقال بعضهم: الذين تتوفاهم الملائكة بقبضهم الأرواح في الدنيا، يقبضون أرواحهم وهم طيبون.

وقال بعضهم: طيبون أحياء وأمواتاً، وهم المؤمنون الذين طابت أعمالهم في الدنيا.

يحتمل السلام وجهين:

أحدهما: تحييهم الملائكة بالسلام في الجنة؛ كما يحيي أهل الإيمان في الدنيا بعضهم بعضاً.

والثاني: السلام يكون منهم أمن عن جميع الآفات والمكروهات، والله سبحانه أعلم.