الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } * { أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } * { إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وَاحِدٌ فَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ }

قوله - عز وجل -: { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } هذا يخرج على وجهين:

أحدهما: ذكر هذا ليكونوا أيقظ وأحذر؛ لأن في الشاهد من يعلم أن عليه رقيباً حافظاً بما يفعل، كان هو أرقب وأحفظ لأعماله، ويكون أحذر ممن يعلم أنه ليس عليه حافظ ولا رقيب.

والثاني: يعلم ما تسرّون من المكر برسول الله، والكيد له من القتل، والإخراج، وغير ذلك [أي: يعلم ذلك] كله منكم، ما أسررتم وأعلنتم، وهو يخرج على نهاية الوعيد والتعيير، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } يحتمل يدعون: أي: يسمونها: آلهة، وربما كانوا يدعونهم عند الحاجة.

ويحتمل { يَدْعُونَ }: يعبدون؛ أي: الذين يعبدون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون؛ فهذا يرجع إلى الأوّل؛ أفمن يخلق كمن لا يخلق؟

وقوله - عز وجل -: { أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ... } [الآية].

يحتمل المراد بقوله: { أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ }: الذين عبدوا الأصنام والأوثان وجميع من كفر بالله؛ هم أموات غير أحياء؛ لأن الله تعالى سمَّى الكافر في غير آي من القرآن ميّتاً؛ فيشبه أن يكون قوله: { أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ } أيضاً.

{ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }.

أي: يشعرون حين يبعثون، أي: لو شعروا هذا في الدنيا ما شعروا في الآخرة؛ لم يعلموا ما عملوا.

ويحتمل قوله: { أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ }: الأصنام التي عبدوها؛ هن أموات غير أحياء.

قال بعضهم: أموات لأنها لا تتكلم، ولا تسمع، ولا تبصر، ولا تنفع، ولا تضرّ؛ كالميت { غَيْرُ أَحْيَآءٍ }: أي: ليس فيها أرواح ينتفع بها كالبهائم والأنعام، ويكون قوله: { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } راجعاً إلى الذين عبدوا الأصنام؛ لأنها لا تشعر أيان يبعثون، وهم يعلمون أنها لا تشعر ذلك؛ لكن هم يشعرون حين يبعثون.

وقال بعضهم: قوله: { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } يبعث الآلهة والذين عبدوها جميعاً؛ كقوله:وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } [يونس: 28] وقوله:ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ } [الصافات: 22-23] قال بعضهم: يحشر أولئك الذين عبدوا الأصنام، { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }: أي: حين يبعثون، ولو شعروا ذلك في الدنيا ما فعلوا [ما فعلوا] وإن كان قوله: { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } راجعاً إلى الملائكة والملوك الذين عبدوا دون الله يكون تأويل قوله: { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }: أي: لا يشعرون وقت يبعثون، وإن كان راجعاً إلى الأصنام، فقوله: { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }: أي: لا يشعرون أنهم يبعثون، لا يحتمل أن يكون قوله: { لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } أن يقال [ذلك] في الأصنام؛ لأن أولئك يعلمون أنهم لا يخلقون، وإنما يقال ذلك في الأصنام: لا تسمع، ولا تبصر، ولا تنفع، فدل أن ذلك راجع إلى الملائكة والذين عبدوهم.

السابقالتالي
2