الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } * { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } * { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }

قوله: { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ }.

قيل: دين ربك.

{ بِٱلْحِكْمَةِ }.

قال الحسن: الحكمة: القرآن، أي: ادعهم إلى دين الله بالقرآن.

وقال بعضهم: بالحكمة: بالحجة والبرهان، أي: ادعهم إلى دين الله بالحجج والبراهين؛ أي: ألزمهم دين الله بالحجج والبراهين؛ حتى يقروا به.

وقوله - عزّ وجلّ: { وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ }.

قال الحسن: أي عظهم بالمواعظ التي وعظهم الله - تعالى - في الكتاب.

وقال أبو بكر: أي ذكرهم النعم التي أنعم عليهم، { وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ، أي: جادلهم أحسن المجادلة بلين القول، وخفض الجانب والجناح؛ لعلهم يقبلون دينهم، ويخضعون لربهم.

وكذلك اختلفوا في قوله:وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } [المائدة: 110]، وقوله:لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ } [آل عمران: 81]: قال الحسن: الكتاب والحكمة: واحد؛ اسم شيء، وهو القرآن.

وقال بعضهم: الكتاب هو القرآن، وهو سماع الوحي، والحكمة: وحي الإلهام، وهو السنة.

وقال بعضهم: الكتاب: هو التنزيل، والحكمة: هي المعنى المودع فيه؛ فمن يقول: إن الكتاب والحكمة واحد، وهي القرآن يقول في قوله: { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ }: القرآن، ومن يقول عنه: إنهما غيرٌ - يقول - هاهنا -: إنّ الحكمة: الحجة والبرهان، إمّا من جهة الإلهام أو من جهة الانتزاع من الكتاب.

ويحتمل أن يكون قوله: { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ }: التي ذكر في هذه السورة؛ من ذلك قوله:يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } [النحل: 69]: يعني: من بطون النحل، وقوله:وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } [النحل: 66]، وما ذكر أنه يخرج من الخشب اليابسة - الأعناب وأنواع الثمرات ونحوه؛ فذلك كله بحكمته، أي: ادعهم إلى دينه وذكرهم بهذا، وهم يقرون به؛ ليقبلوا دينه ويخضعوا لأمره.

والموعظة الحسنة: ما ذكر في قوله:إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ... } الآية [النحل: 90]، وذلك كله مستحسن في العقل وتوجبه الحكمة؛ لأن العدل والإحسان، وما ذكر من إيتاء ذي القربى - الصدقة - مستحسن في عقل كل أحد. والانتهاء - أيضاً - عن الفحشاء والمنكر مستحسن، مستقبح ارتكابه وإتيانه؛ كأن الحكمة هي التي تشتمل على العلم والعمل جميعاً؛ كأنه قال: ادعهم إلى دين الله بالعلم والعمل جميعاً؛ حتى ينجع ذلك فيهم؛ أو: ادعهم باللّين وخفض الجناح مرة، [و] بالعنف والخشونة ثانياً؛ فيكون وضع الشيء موضعه، ثم قال: { يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }.

وقوله - عزّ وجلّ -: { وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }.

يحتمل - والله أعلم - أي: جادلهم بالذي يقرون على ما ينكرون، وهو ما ذكر:أَفَمَن يَخْلُقُ... } الآية [النحل: 17]، وقوله:وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً } [النحل: 73]، وقوله:ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً... }

السابقالتالي
2 3 4