الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ } * { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } * { كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ } * { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } * { عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ } * { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } * { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ }

قوله - عز وجل -: { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ }.

يحتمل { بِٱلْحَقِّ }: الحق الذي جعل لنفسه على أهلها، والحق الذي لبعض على بعض، والحق: هو اسم كل محمود مختار من القول والفعل، والباطل: اسم كل مذموم من القول والفعل.

قال بعضهم: تأويله: وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا شهوداً لله بالحق على أهلها.

وقوله - عز وجل -: { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ }: أي: لم يخلقهما لغير شيء؛ ولكن خلقهما للمحنة؛ يمتحنهم بالعبادة فيها، وإلى هذا ذهب الحسن.

وقيل: خلقهما وما بينهما لأمر كائن؛ أي: لعاقبة: للثواب أو الجزاء، لم يخلقهم للفناء خاصة؛ ولكن للعاقبة؛ لأن خلق الشيء للفناء خاصة عبث؛ وهو ما قال:أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } [المؤمنون: 115] أخبر أن خلقهم لا للرجوع إليه ولا للعاقبة - عبث، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.

وجائز أن يكون قوله: { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ } على الاحتجاج على أولئك لإنكارهم الساعة، لوجهين:

أحدهما: ما ذكرنا أنه لو لم تكن الساعة حصل خلقهما وما بينهما للفناء خاصة؛ وخلقُ الشيء للفناء خاصةً عبث باطل؛ كبناء البناء للنقض خاصة لا لعاقبة تقصد - عبث.

والثاني: أنه يكون في ذلك التسوية بين الأعداء والأولياء، وفي الحكمة التفريق بينهما، وما قال:وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ... } الآية [ص: 27] لم يكن ظنهم أنه خلقهما باطلا؛ ولكن لما أنكروا البعث صار في ظنهم خلقهما باطلا.

وقوله - عز وجل -: { وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ }.

قال بعضهم: { فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ }: [أي: أعرض عنهم]، ولا تكافئهم بما آذوك بألسنتهم وفعلهم { وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ } فإني أكافئهم عنك على أذاهم إياك وصنيعهم يومئذ.

والصفح الجميل: هو ما لا نقض فيه ولا منّة في العُرف؛ أي: اصفح الصفح ما يوصف فيه بتمام الأخلاق، ومالا نقض فيه ولا منّة يحتمل الصفح الجميل: هو أن يصفح ولا يمنّ عليهم، كأنه أمره أن يصفح صفحاً لا منّة فيه.

{ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ } فتجزى أنت على صفحك الجميل؛ وهم على أذاك. والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ }.

هذا يحتمل وجهين:

أحدهما: أنه على علم بما يكون منهم من المعصية والخلاف خلقهم، لا خلقهم عن غفلة وجهل بذلك؛ ليعلم أنه لم يخلق الخلق لحاجة نفسه ولا لمنفعة نفسه، ولكن خلقهم ليمتحنهم بما أمرهم به ونهاهم، ولما يرجع إلى منافعهم وحوائجهم.

والثاني: إن ربك هو الخلاق لخلقه؛ العليم بمصالحهم بأن الصفح الجميل لهم، ذلك أصلح في دينهم من المكافأة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7