الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلُونَ } * { قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } * { قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ } * { وَآتَيْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } * { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيلِ وَٱتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَٱمْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ } * { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ } * { وَجَآءَ أَهْلُ ٱلْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ } * { قَالَ إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ } * { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ } * { قَالُواْ أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } * { قَالَ هَؤُلآءِ بَنَاتِي إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } * { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ } * { فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } * { وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ }

قوله - عز وجل -: { فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلُونَ * قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ }.

أي: إنكم قوم منكرون؛ لا تعرفون بأهل هذه البلدة، وإنما قال لهم هذا؛ لأن قومه إنما يعملون ما يعملون بالغرباء؛ لا يعملون بأهل البلد؛ ألا ترى أنهم قالوا له: { أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } [الحجر: 70] أن تضيف أحداً منهم. والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ }.

هذا ليس بجواب لما سبق من قوله: { إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } ، ولكن قالوا [ذلك له] والله أعلم بعدما كان بين [لوط وقومه] مجادلات ومخاصمات من ذلك قوله: { إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ } [الحجر: 68] { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ } [الحجر: 69] وغير ذلك من المخاصمات.

وقد كان لوط يعدهم العذاب بصنيعهم الذي كانوا يصنعون؛ ولذلك قالوا له:فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [الأحقاف: 22]؛ فعند ذلك قالوا:

{ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ }.

[قال بعضهم: بما كانوا فيه يشكّون؛ بما كان يعدهم من العذاب. وقال بعضهم: { بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ } ] [أي: بما كانوا] يجادلون وينازعون، أو يقول: بل جئناك بجزاء ما كانوا يتمرون.

ثم امتراؤهم، يحتمل مجادلتهم إياه، ويحتمل ما كانوا عليه من الريبة.

وقوله - عز وجل -: { وَآتَيْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ }.

قال بعضهم: { وَآتَيْنَاكَ بِٱلْحَقِّ }: أي: بنجاتك؛ ونجاة أهلك وإهلاك قومك. وقال بعضهم: { وَآتَيْنَاكَ بِٱلْحَقِّ }: أي: بالعذاب الذي كنت تعدهم.

{ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } فيما نقول، يحتمل هذا: أن لم يكن هذا منهم قولا قالوه؛ لأن لوطاً يعلم أنهم صادقون فيما يقولون؛ حيث علم أنهم ملائكة الله، لكن أخبر عنهم على ما كانوا عليه، على غير قول كان منهم. والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيلِ }.

أي: ببعض من الليل. وقال بعضهم بسحر؛ على ما قال:نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ } [القمر: 34] وهو بعضٌ سحراً كان أو غيره.

{ وَٱتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ }: أي: سر من ورائهم، وهكذا الواجب على كل مولى أمر جيش أن يتبع أثرهم، أو يأمر من يتبع أثرهم؛ ليلحق بهم من تخلف منهم، ويحمل المنقطع منهم؛ وليكون ذلك أحفظ لهم.

وقوله - عز وجل -: { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ } قال بعضهم { وَلاَ يَلْتَفِتْ } أي: لا يتخلف منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون.

وقال في آية أخرى:وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ } [هود: 81].

فإنها [تتخلف عنكم؛ فيصيبها] ما أصاب أولئك، هذا يدلّ أن ليس في تقديم الكلام وتأخيره منع، ولا في تغيير اللسان ولفظه بعد أن يؤدي المعنى خطر؛ لأن قصة لوط وغيرها من القصص ذكرت وكررت على الزيادة والنقصان، وعلى اختلاف الألفاظ واللسان، فدلّ أن اختلاف ذلك لا يوجب تغييراً في المعنى، ولا بأس بذلك.

السابقالتالي
2 3 4