الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ } * { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } * { لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ } * { نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ }.

إن كان أهل الكبائر في قوله: { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ } فيكون قوله: إن المتقين الذين اتقوا الكبائر؛ وإن كان أصحاب الكبائر لم يدخلوا في قوله: { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ } ، فيكون قوله: { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } للذين اتقوا الشرك.

وقوله - عز وجل -: { فِي جَنَّاتٍ }.

أي: في: بساتين، والبساتين: هي التي التفّت بالأشجار والنخيل.

والعيون قد تكون جارية في الدنيا، وقد تكون غير جارية، فأخبر في آية أخرى بأن عيون الآخرة تكون جارية؛ بقوله:فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } [الرحمن: 50].

{ وَعُيُونٍ }: قال بعضهم: ذكر العيون؛ ليعلم أن مياه الجنة - ليست تكون من الثلوج والأنهار العظام - على ما تكون في الدنيا - ولكن تنبع فيها.

وقال بعضهم: ذكر العيون؛ لأنه ينبع في بستان كل أحد عين على حدة، لا يأتي بستانه من ملك آخر، ومن بستان آخر، على ما يكون في الدنيا؛ ولكن تنبع في جنة كل أحد عين على حدة، على ما أراد الله، ليس أنها تتصل بالأرض؛ كما ذكر في قصّة بني إسرائيل:فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } [البقرة: 60] أنشأ الله في ذلك الحجر ما يخرج لهم على غير اتصاله بالأرض، ولكن بلطفه ينشئ فيه ماء، فعلى ذلك في الجنان التي وعد.

ويشبه أن يكون ذكر هذا لما يختلف رغائب الناس في الدنيا: منهم من يرغب في العين؛ ويتلذذ بالنظر إليها، ومنهم من يرغب في النهر الجاري، فذكر مرة العيون، ومرة الأنهار؛ كقوله:تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [النحل: 31] على ما ذكر مرة الخيام، والقباب، والغرف، وأنواع الفرش والبسط، والكيزان والأكواب، والجواري والغلمان، وغير ذلك على ما يرغب الناس في الدنيا: منهم من يرغب [في نوع لا يرغب] في نوع آخر؛ فذكر فيها كل ما يرغبون في الدنيا؛ ليبعثهم ذلك على العمل الذي به يوصل إلى ذلك. والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ }.

قال بعضهم: قوله: { ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ }: أي: اجعلوا دخولكم فيها بسلام؛ على ما أمرهم في الدنيا أن يجعلوا الدخول في المنازل بالسلام؛ كقوله:فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ... } الآية [النور: 61]، وعلى ما أخبر أن الملائكة يسلمون عليهم؛ كقوله:سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ } [الزمر: 73] وكقوله:وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً } [الحجر: 51-52] وقال بعضهم: قوله: { ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ }: أي: ادخلوها بسلام لا يصيبكم مكروه؛ آمنين لا ينغِّصهم خوف ولا حزن، على ما أخبرفَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [البقرة: 38]. وقال بعضهم: [...] وقوله - عز وجل -: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ }.

قال بعضهم: هو صلة قوله: { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } أي: نزعنا ما في صدورهم من غل؛ الذي كان في الدنيا بالكفر؛ فصاروا إخواناً بالإسلام الذي هداهم إليه؛ فكانوا إخواناً، ثم قيل لهم: ادخلوا الجنة بلا غلّ، وهو ما قال:

السابقالتالي
2