الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } * { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ } * { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } * { وَقَالَ مُوسَىۤ إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ }

قوله - عز وجل -: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ }.

لو كان غيره من الكتب أرسلت بغير لسان الأمم لكان هذا الكتاب يجب أن يكون مبعوثاً بلسان قومه؛ لأنه جعل هذا الكتاب نفسه حجة وآية لرسالته؛ لأنهم يعجزون عن إتيان مثله؛ وهو كان بلسانهم؛ ليعلموا أنه [جاء من الله]؛ إذ لو كان من اختراع الرسول - لقدروا [هم] على اختراع مثله؛ لأن لسانهم مثل لسانه، فإذا عجزوا عن إتيان مثله - دلَّ أنه منزَّل من الله تعالى لا من عند الخلق.

ثمّ يحتمل قوله: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ } وجوهاً:

قال قائلون: هذا بعد ما اختلفت الألسن؛ أرسل هذا وفيه أنباء أوائلهم الذين كان لسانهم غير لسان هؤلاء، وأخبارهم ليعلموا أنه إنما عرف تلك الأنباء والأخبار التي كانت بغير لسانهم بالله.

وقال بعضهم: أرسل بلسان قومه؛ لئلا يكون لهم مقال كقوله:لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ... } الآية [فصلت: 44].

والثالث: أنه إذا كان بلسانهم يكون آلف وأقرب إلى القبول؛ من إذا كان بغيره؛ إذ كل ذي نوع وجنس يكون بجنسه ونوعه آلف من غير نوعه وجوهره؛ [وهو] كقوله:وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً } [الأنعام: 9] إذ ليس في وسع البشر رؤية الملك والنظر إليه على ما هو عليه، فعلى ذلك: كل ذي لسان يكون بلسانه أفهم وأقرب للقبول وآلف من غيره.

وقوله - عز وجل -: { لِيُبَيِّنَ لَهُمْ }.

قال قائلون: ليكون أبين لهم وأفهم.

وقال قائلون: ليبين لهم فيفهموا قول رسولهم.

وقوله: { لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ }.

أي: يضل الله من آثر سبب الضلال، ويهدي من آثر سبب الذي به يهتدي؛ يهديه ذلك.

وقال قائلون: يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء: هذا حكم الله؛ أن يضل المكذبين ويهدي المصدقين، لكن الوجه فيه ما ذكرنا بدءاً [أنه] يضل من آثر سبب الضلال؛ ويهدي من يشاء [هذا حكم الله: أن يضل المكذبين ويهدي المصدقين]؛ أي: من آثر سبب الاهتداء.

{ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [العزيز]؛ لأن جميع الخلائق مفتقرون إليه لأنه يعزّ من عزّ.

أو أن يكون العزيز: هو الذي لا يغلب، والحكيم: هو الذي لا يلحقه الخطأ في الحكم والتدبير، أو الحكيم في بعث الرسل وفي جميع فعله، ولم يؤخذ عليه في فعله خطأ قط، مصيبٌ وضع كل شيء موضعه.

وقوله - عز وجل -: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ }.

يحتمل آياته: حججه وبراهينه التي أرسل بها على وحدانية الله وألوهيته.

ويحتمل آياته: التي بعثها إلى موسى ليقيمها على رسالته. إن شئت قلت: آياته: حججه وإن شئت سميتها أعلاماً، والآيات والأعلام والحجج - كله واحد؛ فيكون أعلام وحدانية الله وألوهيته أو أعلام رسالته.

السابقالتالي
2 3 4