الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } * { وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ }

قوله - عز وجل -: { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً }.

قال مقاتل: خرجوا إلى الله من قبورهم جميعاً، وقال: { جَمِيعاً } لأنه لا يغادر أحد إلا بعث.

ويحتمل وجوهاً أخر سوى ذلك: وهو أن قوله: { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ }: أي: لأمر الله؛ أو لوعده الذي وعد أنهم يبعثون. أو يريد الحكم، الله يحكم في بعثهم.

{ وَبَرَزُواْ }: أي: ظهروا به ووجدوا؛ فيكونون [به] موجودين ظاهرين بعد أن كانوا فائتين ذاهبين غائبين؛ أي: عندهم في الدنيا أنهم [كانوا] فائتين غائبين عن الله؛ فيومئذ يعلمون أنه كان لا يخفى عليه شيء من أفعالهم وأحوالهم؛ وهو ما ذكرنا في قوله:لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ } [المائدة: 94] وقولهحَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ } [محمد: 31] وأمثاله، أي: يعلمهم مجاهدين صابرين كما علمهم غير مجاهدين وغير صابرين؛ وكقوله:عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } [الحشر: 22] يعلمهم شهوداً كما علمهم غيباً.

فعلى ذلك قوله: { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } أي: يكونون له موجودين ظاهرين والله أعلم.

وإضافة البروز إليه في الآخرة وإن كان بروزهم له في الدارين جميعاً، [وكذلك المصير] إليه والمرجع إليه والمآب ونحوه؛ فهو - والله أعلم - لما لا ينازع أحد في البروز في ذلك اليوم؛ وقد ينازعونه في الدنيا.

أو خُصّ ذلك البروز بالإضافة [إليه]؛ لما هو المقصود من إنشائه إياهم وخلقهم؛ ليس المقصود في خلقهم وإنشائهم الأول؛ ولكن الآخر؛ فخص ذلك بالإضافة إليه. والله أعلم.

وقوله: { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } أي: يومئذ يعلمون أنه كان لا يخفى عليه شيء؛ وكأنهم لم يكونوا يعلمون؛ قبل ذلك.

وقوله - عز وجل -: { فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ }.

قال قائلون: قوله: { فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا }: أي: دافعون عنا من عذاب الله؛ إذ كنّا لكم أتباعاً وأنتم متبوعين؛ فادفعوا عنا ذلك. لكن هذا بعيد؛ أن يطلبوا منهم دفع العذاب عنهم وقد رأوهم في العذاب؛ فلو قدروا على دفع [ذلك] عنهم؛ لدفعوا أولا عن أنفسهم؛ إلا أن يكون فيهم حيرة وعمى؛ كما كان في الدنيا، فللحيرة ما قالوا؛ كقوله:وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ... } [الإسراء: 72].

والأشبه أنهم يطلبون عنهم رفع بعض العذاب عنهم، وتحمل بعض لأن مؤنة الأتباع في العرف يتحملها المتبوع؛ فيطلبون منهم رفع شيء وتحمل بعض ما حل بهم؛ وهو ما ذكر في آية أخرى:فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ ٱلنَّارِ } [غافر: 47] طلبوا منهم تحمل بعض ما حلَّ بهم.

وقوله - عز وجل -: { قَالُواْ لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ }.

قال بعض أهل العلم: إن الكفرة جميعاً - أتباعهم ومتبوعهم - أعلم بهداية الله من المعتزلة؛ لأنهم قالوا: { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } علموا أن الله - عز وجل - لو هداهم لاهتدوا؛ ويملك هدايتهم، والمعتزلة يقولون: قد هدى الله جميع الكفرة وجميع الخلائق؛ فلم يهتدوا، وأنه لو أراد أن يهدي أحدا لم يملك، والكفرة - حيث قالوا: { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } رأوا وعلموا أن الله لو هداهم لاهتدوا؛ لأنهم لو لم يهتدوا بهدايته إذا هداهم لم يعتذروا إلى أتباعهم { لَهَدَيْنَاكُمْ } ، [وكذلك] قال إبليس:

السابقالتالي
2 3 4