الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ وَقَالُوۤاْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } * { قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى قَالُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ آذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } * { وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } * { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } * { يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }

قوله - عز وجل -: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ... } الآية.

يشبه أن يكون الخطاب لأهل الإيمان منهم، والرسل خاطبهم - عز وجل - تصبيراً [منه لهم] وتنبيهاً على تكذيب الكفرة إياهم؛ وأذاهم واستهزائهم بهم؛ فقال: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } أي: قد أتاكم نبأ الذين من قبلكم ما فيه مزجر لكم عن مثل معاملتهم الرسول، وهو ما ذكره:وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } [القمر: 4] إنه نزل بهم بتكذيبهم الرسل والاستهزاء بأتباعهم، يذكر هذا لهم؛ ليهون ذلك عليهم وليخف؛ لأن من علم أن له شركاً فيما بُلي به وامتحن كان ذلك [عليه أهون] وأخف من أن يكون هو المخصوص به.

ويحتمل أن يكون الخطاب لأهل الكفر منهم؛ يقول: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } أي: قد أتاكم خبر الذين من قبلكم؛ [أنه ماذا أنزل بهم بتكذيبهم الرسل واستهزائهم بأتباعهم؛ فينزل بكم] ما نزل بهم؛ لأن الذي أنزل ذلك عليهم حي قادر على إنزال مثله؛ فيخرج ذلك مخرج [التوقيح و] التوبيخ والتعيير والوعيد؛ ليحذروا عن صنيع أولئك. والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ }.

فيه دلالة أن تكلف معرفة الأنساب وحفظها إلى آدم شغل وتكلف؛ لأنه أخبر أن فيهم من لا يعلمه إلا الله وروي في الخبر أنه كان ينسب إلى مُضَر، ولا ينسب إلى أكثر من ذلك.

قال أبو بكر الأصم: قوله: { لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ } [يكذب من ادعى معرفة الأنساب المتقدمة؛ لأنه قال: { لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ } ] وقد أخبر أيضاً أنه لم يقصّ عليه خبر الكل بقوله:مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ } [غافر: 78] فمن البعيد أن يتكلف تعرف ما لم يقصّ على رسوله والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ }.

قيل: البينات: بينات على وحدانية الله وألوهيته، ويحتمل الحجج التي أتوا بها الرسل على إثبات الرسالة والنبوة.

وقال بعضهم: البينات: ما يتّقون، وما يأتون، وما يحل عليهم وما يحرم.

وقوله - عز وجل -: { فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ }.

يحتمل أن يكون هذا على التمثيل والكناية عن التكذيب وترك الإجابة؛ لأن رد الأيدي في أفواههم يمنعهم عن التصديق؛ كقوله:كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ... } الآية [الرعد: 14] إذا ترك إجابته، وقوله:يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } [آل عمران: 149] وأمثاله.

ويشبه أن يكون على تحقيق جعل الأيدي في أفواههم، ثم يخرج على وجهين:

أحدهما: { فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ }: في أفواه الرسل: فيقولون إنكم كذبة.

ويحتمل: ردّ الأيدي في أفواه أنفسهم يصوتون ويستهزئون بهم وبأتباعهم؛ كقوله:وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ... } الآية [الأنفال: 35] وقد ذكرنا معناه في موضعه؛ فعلى ذلك [هذا يحتمل ذلك،] والله أعلم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9