الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } * { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ } * { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } * { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }

قوله - عز وجل -: { ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ }.

قيل: يعلم أنها حملت ذكراً أو أنثى مستوياً أو غير مستوٍ مؤفّاً؛ يخبر - عز وجل - عن علمه وقدرته أنه لا يخفى عليه شيء ولا يعجزه شيء، فإن قيل: هذا دعوى: ما الذي يعلمنا أنه يعلم ذلك؟ قيل: اتساق تدبيره ولطفه يدل على علم ذلك فيه؛ حيث رباه فيه وأنشأه مستوياً غير مؤفٍّ سليماً عن الآفات، ونماء الجوارح كلها على الاستواء؛ لا يكون بعضها [أكبر وأعظم وبعضها] أنقص وبعضها أتم؛ نحو العينين؛ تراهما مستويتين؛ لا زيادة في إحداهما دون الأخرى؛ بل تنموان على الاستواء، وكذلك اليدان والرجلان والأذنان؛ وأمثاله؛ فدلّ ذلك على العلم له به والتدبير.

وقوله - عز وجل -: { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ }.

أي: يعلم ما تغيض الأرحام وما تزداد.

قال عامة أهل التأويل: { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ }: ما تنقص عن التسعة الأشهر، { وَمَا تَزْدَادُ }: على التسعة الأشهر، فكان الحسن يقول: غيضوضة الرحم: أن تضع لستة أشهر أو لسبعة أشهر أو ثمانية، وأما الزيادة: فما زاد على تسعة أشهر.

وفي حرف أُبي: (اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَضَعُ) ولكن يحتمل قوله: { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ } وجهين:

أحدهما: { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ } أي: ما لا تحمل شيئاً؛ وهي التي تكون عقيماً لا تلد، والغيضوضة تكون ذهاب الشيء، قال الله - تعالى -:وَغِيضَ ٱلْمَآءُ } [هود: 44] أي: ذهب.

{ وَمَا تَزْدَادُ } أي: ما تحمل وما تغيض الأرحام، فتلد بدون الوقت الذي تلد النساء، وما تزداد على الوقت الذي تلد النساء.

أو { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ } في زيادة عدد الأولاد ونقصانهم؛ ما تحمل واحداً أو أكثر من واحد، أو يكون في زيادة قدر نفس الولد ونقصانه؛ لأن من الولد ما يصيبه في البطن آفة؛ فلا يزال يزداد له نقصان في البطن، ومنه ما ينمو ويزداد؛ وأمثاله. والله أعلم.

{ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } مقدّر بالتقدير؛ ليس على الجزاف؛ على ما يكون عند الخلق، ولكنه بتقدير وتدبير.

{ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ } قال بعضهم: لا يغيب عنه شيء، ولكن هو عالم بالذي يغيب عن الخلق ويشهده الخلق؛ أي: ما يغيب عنهم وما يشهدونه عنده بمحل واحد في العلم به.

وقال بعضهم: { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ }: ما غاب بنفسه، وما شهد بنفسه؛ فالغائب بنفسه: هو ما لم يوجد بعد؛ ولم يكن، والشهادة: ما قد وجد وكان، يعلم ما لم يوجد بعد أنه يوجد أو لا يوجد، وإذا وجد، كيف يوجد؛ ومتى يوجد؛ وفي أي: وقت يوجد؛ وما جد وشهد؛ يعلمه شاهداً موجوداً.

على هذين الوجهين يجوز أن تخرج الآية؛ والله أعلم؛ ويعلم ما غاب عنهم مما شهدوا من نحو قوة الطعام في الطعام، والقوة التي في الماء، وماهية البصر والسمع، والعقل والروح، وكيفيتها، وهذا كله مما غاب عن الخلق.

السابقالتالي
2 3 4