الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ }

قوله - عز وجل -: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ }.

قوله: { رَفَعَ } أي: أنشأها مرفوعة؛ لا أنها كانت موضوعة فرفعها؛ ولكن جعلها في الابتداء مرفوعة، وكذلك قوله:وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } [الرحمن: 10] { مَدَّ ٱلأَرْضَ } [الرعد: 3]وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } [النازعات: 32] ونحو ذلك؛ أي: أنشأها مرفوعة ممدودة؛ لا أنها كانت مرفوعها فوضعها، أو كانت منقبضة فبسطها؛ ولكن أنشأها كذلك.

وقوله - عز وجل -: { بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا }.

قال بعضهم: هي بعمد لكن لا ترونها؛ أي: ترونها بغير عمد وهي بعمد.

وقال بعضهم: هي بغير عمد على ما أخبر؛ ولكن اللطف والأعجوبة بما يمسكها بعمد لا ترى؛ كاللطف والأعجوبة فيما يمسكها بغير عمد؛ لأن في الشاهد لم يعرف؛ ولا قدر على رفع سقف فيه سعة وبعد بغير عمد لا ترى، لكن ما يرفع إنما [يرفع بعمد] ترى؛ فاللطف في هذا كاللطف في الآخر.

وفيه دلالة قدرته على البعث؛ لأنه ذكر هذا ثم قال: { لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } أي: من: قدر على رفع السماء - مع سعتها وبُعدها - بلا عمد؛ لقادر على إعادة الخلق؛ وبعثهم؛ وإحيائهم بعد الموت، بل رفع السماء مع سعتها وبعدها، بلا عمد، أكبر من إعادة الشيء بعد فنائه؛ إذ في الشاهد من قد يقدر على إعادة أشياء بعد فنائها؛ ولا يقدر على رفع سقف؛ ذي سعة وبعد؛ بغير عمد. من ذا الوجه أمكن أن يحتج. والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ }.

لما لم يفهم من قوله:سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 181] مدبر المكان؛ وإن كان في الشاهد يفهم منه المكان؛ إذا أضيف إلى المخلوق - لم يجز أن يفهم من استوائه [ما يفهم من استواء] الخلق.

وبعد فإن في الشاهد؛ إذا قيل: فلان استولى أمر بلدة كذا؛ أو استوى أمره؛ لم يفهم منه [المكان، بل فهم منه] نفاذ الأمر والسلطان والمشيئة؛ فعلى ذلك لم يجز أن يفهم من الله إذا أضيف إليه المكان.

وأصله: ما ذكرنا فيما تقدم أنه أخبر أنه ليس كمثله شيء؛ فهو في كل شيء؛ وكل وجه؛ لا يشبه الخلق؛ إذ الخلق - في الشاهد - لا يشبه بعضه بعضاً من جميع الجهات؛ إنما يشبه بعضهم بعضاً بجهة، ثم صاروا جميعاً أشكالا وأشباهاً؛ بتلك الجهة التي وقعت بينهم تشابه؛ فإذاً الله سبحانه وتعالى لما أخبر أنهلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى: 11] دل أنه إنما نفى عنه الجهات التي [يقع بها] التشابه والمثل؛ فهو يخالف الخلق من جميع الوجوه.

وهذه مسألة مذكورة فيما تقدم: اختُلف في العرش: قال بعضهم: العرش: هو الممتحنون بهم، استوى تدبير إنشاء غيرهم من العالم؛ لأنهم هم المقصودون في إنشاء ذلك كله.

السابقالتالي
2 3 4 5