الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } * { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } * { وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ }

قوله - عز وجل -: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً }.

قال بعض أهل التأويل: نزل هذا وذلك: أن اليهود عيروا رسول الله، وطعنوا في كثرة النساء والأولاد؛ [وقالوا: لو كان نبيّاً على ما يزعم لكان لا يمتع بالنساء؛ ولا يطلب الأولاد] كما يفعله غيره؛ وكانت النبوة تشغله عن ذلك. فأنزل الله تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا... } الآية، أي: الاستمتاع بالنساء واستكثاره [منهن] - لم يمنع عن الاختصاص بالنبوة والرسالة، على ما لم يمنع غيره من الرسل الذين كانوا من قبله. والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ }.

أي: لا يملكون إنزال الآيات من أنفسهم؛ إنما يتولى الله إنزالها إذا شاء ذلك؛ وهو كقول عيسى؛ حيث قال:وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وٱلأَبْرَصَ... } الآية [آل عمران: 49] أخبر أن ما يأتي من الآيات إنما يأتيها بإذن الله وبأمره؛ لا من نفسه.

يحتمل أن يكون جواب ما ذكر أهل التأويل، وجواب غير ذلك أيضاً؛ وهو طعنهم الرسل بالأكل والشرب والمشي في الأسواق، وسؤالهم الآيات التي سألوهم، وجواب إنكارهم الرسل من البشر يقول: لست أنت بأول رسول طعنت بما طعنك به قومك؛ ولكن كان قبلك رسل طعن قومهم بما طعن به قومك؛ وسألوهم من الآيات من سأل به قومك؛ فلم يكن ذلك لهم عذراً في رد ما ردّوا وترك ما تركوا؛ بل نزل بهم العذاب، فعلى ذلك قومك.

وقوله - عز وجل -: { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ }.

اختلف فيه: قال قائلون: لكل كتاب أجل؛ وهي: الكتب التي أنزلت على الرسل؛ يعمل بها إلى وقت؛ ثم تنسخ أو يترك العمل بها.

وقال قائلون: هو ما قال: لكل أجل كتاب؛ أي: لكل ذي أجل أجله؛ إلى وقت انقضائه؛ ليس يراد به الكتابة باليد؛ ولكن الإثبات؛ كقوله:أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } [المجادلة: 22] أي: أثبت؛ ليس أن كتب هنالك باليد، فعلى ذلك قوله: { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } أي: إثبات إلى وقت.

ويحتمل قوله: لكل كتاب أجل؛ أي: لكل ما كتب له الأجل؛ وجعل له الوقت؛ من العذاب ينزل بالمعاندين والنصر للرسل؛ فإنه لا يكون قبل ذلك الوقت، ولا يتأخر أيضاً عن ذلك الوقت؛ وهو كقوله:فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً... } الآية [الأعراف: 34].

وقوله - عز وجل -: { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ }.

قال قائلون: قوله: { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } المحو - هاهنا -: أن أنشأه في الابتداء بمحو؛ ليس على أن كان مثبتاً فمحاه، ولكن أنشأه هكذا ممحوّاً؛ وهو كقوله:فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ } [الإسراء: 12] ليس أنه كان منشأ كذا ثم محي؛ ولكن أنشأه في [الابتداء ممحوّاً]، وكقوله:

السابقالتالي
2 3