الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ وَلاۤ أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ } * { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ }

قوله - عز وجل -: { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ }.

يشبه أن تكون الآية صلة قوله:وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } [الرعد: 30]؛ فأخبر - عز وجل -: { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ }؛ بذكر الرحمن.

ثم اختلف في قوله: { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ }: قال بعضهم: أصحاب محمد؛ فرحوا بما أنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال بعضهم: { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ }: أهل التوراة يفرحون بما أنزل إليك يذكر هاهنا أنهم يفرحون بما أنزل إليك، ويذكر في موضع:مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ } [البقرة: 105].

وقال في موضع آخر:ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } [البقرة: 121] فمن تلا منهم الكتاب حق تلاوته ولم يبدله ولم يغيره - فهو يؤمن به؛ ويفرح بما أنزل على محمد، ومن غيَّره وبدَّله - فهو لم يفرح [بما أنزل] عليه.

وقوله: { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ } تأويله - والله أعلم - كأنه قال: والذين آتيناهم منافع الكتاب أولئك يفرحون [بما أنزل] إليك، وهو ما قال في آية أخرى:ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ } [البقرة: 121] لأن أكثرهم [لا يؤمنون] بما أنزل على محمد.

وقوله - عز وجل -: { وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ }.

يحتمل: أهل الكتاب كانوا ينكرون بعض ما أنزل إليه؛ لا ينكرون كل ما أنزل إليه؛ وإنما ينكرون نعته وصفته؛ لأنهم كتموا نعته وصفته التي في كتبهم.

ويحتمل قوله: { وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ } مشركي العرب؛ وهم أيضاً أنكروا بعض ما أنزل إليه؛ وهو ما ذكر:وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } [الرعد: 30] في قوله:أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً } [ص: 5] ونحوه، لم ينكروا كله.

وقوله - عز وجل -: { قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ وَلاۤ أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو }.

كأن هذا قاله على إثر قول كان منهم؛ [كأنهم دعوه] إلى أن يشاركهم في عبادة الأصنام، أو دعوه أن يكون على ما كان آباؤهم؛ فقال: قل إنما أمرت أن أعبد الله وأمرت ألا أشرك به.

ويحتمل قوله: { وَلاۤ أُشْرِكَ بِهِ } قال ذلك من نفسه.

{ إِلَيْهِ أَدْعُو } يقول: إلى توحيد الله أدعو غيري ثم أخالف وأعبد غيره؟

{ وَإِلَيْهِ مَآبِ } أي: إليه المرجع.

وقوله - عز وجل -: { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ } أي: كما علمناك آداباً وأعطيناك النبوة - كذلك أنزلنا عليك.

{ حُكْماً عَرَبِيّاً } قيل حكمة عربية، وكانت العرب لا تفهم الحكمة؛ أو أنزلنا ما فيه حكم. وتفسير قوله: { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً } ما ذكر [في آية] أخرى؛ وهو قوله:الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ * إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } [يوسف: 1-2] سمى القرآن حكماً؛ لأنه للحكم أنزل.

وقوله - عز وجل -: { وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ }.

هذا يدل أنهم كانوا يدعونه إلى أن يشاركهم في بعض ما هم فيه.

{ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ } ينصرك ويمنعك من عذاب الله.

{ وَلاَ وَاقٍ } يعني العذاب.