الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } * { لَّهُمْ عَذَابٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ } * { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَىٰ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّعُقْبَى ٱلْكَافِرِينَ ٱلنَّارُ }

قوله - عز وجل -: { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ }.

قال أبو بكر الأصم: يقول: من الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت الله أم شركاؤكم فالقائم هو المدبر الحافظ بكل ما فيه الخلق ويشبه أن يكون تأويله: { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ } أي: حافظ وعالم على كل نفس بما كسبت؛ أو بالرزق لهم والدفع عنهم، كمن هو أعمى عن ذلك، ليسا بسواء كقوله:أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ... } الآية [الرعد: 19].

أو يقول: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت؛ كمن هو غير قائم عليه؟ ليسا بسواء.

وقال مقاتل: أفمن هو قائم على رزقهم وطعامهم.

ثم قال: { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ }.

أي: وصفوا لله شركاء وعبدوها؛ والله أحق أن يعبد من غيره.

يقول الله: أنا القائم على كل نفس؛ أرزقهم وأطعمهم؛ أفأكون أنا وشركائي الذين لا يفعلون ذلك سواء؟

والوجه فيه ما وصفنا: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت؛ أي: يرزق ويبصر و [يعلم ما تعمل وتكسب ويحفظ] عن أنواع البلايا؛ كمن هو أعمى جاهل عاجز عن ذلك كله؟ أي: ليس هذا كذلك. ويسفههم في إشراكهم الأصنام التي عبدوها في الألوهية والعبادة، وهي بالوصف الذي ذكر؛ كمن هو أعمى عاجز عن ذلك؟ أي: ليسا بسواء.

وقوله: { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } يحتمل قائم على كل نفس بما كسبت؛ فيما قدر لها وقواها أو في الجزاء يجزي على ما تكسب.

{ وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ } في العبادة؛ أو في تسميتهم آلهة، لا يعلمون ما كسب لها، ولا يملكون جزاء ما كسبوا لها أيضاً.

يبين سفههم في جعلهم هذه الأصنام والأوثان شركاء لله في العبادة؛ وتسميتهم آلهة؛ مع علمهم أنهم لا يقدرون ولا يملكون شيئاً من ذلك.

وقوله - عز وجل -: { قُلْ سَمُّوهُمْ }.

قال بعض أهل التأويل: قوله: { قُلْ سَمُّوهُمْ } بذلك الاسم؛ ولو سموهم، [سموهم] بكذب وباطل وزور.

وعندنا قوله: { قُلْ سَمُّوهُمْ } أي: لو سميتموها آلهة واتخذتموها معبوداً؛ فسموهم أيضاً بأسماء سميتم الله؛ من نحو: الخالق والرازق والرحمن والرحيم؛ ونحوه.

يقول - والله أعلم - إذ سميتم هذه الأصنام آلهة ومعبوداً، سموهم أيضاً: خالقاً ورازقاً ورحماناً ورحيماً، وهم يعلمون أنها ليست كذلك. والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلأَرْضِ }.

أي: أم تنبئون الله؛ وهو عالم بما في السماوات وما في الأرض؛ وعالم بكل شيء، وهو لا يعلم في الأرض ما تقولون من الآلهة وما تصفونه بالشركاء؟! وكذلك يخرج قوله:قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ }

السابقالتالي
2 3