الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } * { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ }

قوله - عز وجل -: { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ } إلى آخر ما ذكر.

قال بعض أهل التأويل: تأويله: لو أن قرآنا [ما] غير قرآنك؛ سيرت به الجبال؛ من أماكنها؛ أو قطعت به الأرض، أو كلم به الموتى، لفعلناه بقرآنك أيضاً، ذلك ولكن لم نفعل بكتاب من الكتب التي أنزلتها على الرسل الذين من قبلك، ولكن شيء أعطيته أنبيائي ورسلي.

{ بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً }.

يقول: بل جميع ذلك الأمر كان من الله؛ وليس من قبل القرآن؛ أي: لو فعل بالقرآن ذلك كان جميع ذلك من الله تعالى.

وقوله - عز وجل -: { بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً } إن شاء فعل ما سألتم، وإن شاء لم يفعل ويشبه أن يكون غير هذا أقرب؛ أن يكون صلة ما تقدم من سؤالهم الآيات؛ وهو قوله:وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } [الرعد: 7] فيقول: لو أن قرآنك الذي تقرؤه عليهم: لو سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض، أو كلم به الموتى لما آمنوا بك؛ ولما صدقوك على رسالتك على ما لا يؤمنون بالرحمن، وكل الخلائق له آية لوحدانيته وألوهيته، يخبر عن شدة تعنتهم وتمردهم في تكذيبهم رسول الله صلى الله عليه سلم؛ [ليعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم] أن سؤالهم الآية سؤال تعنت وتمرد؛ ليس سؤال استرشاد واستهداء.

وقال بعضهم: قوله: { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ }.

أي: لو أن قرآنا ما عمل [ما] ذكر لكان هذا القرآن؛ تعظيماً لهذا القرآن.

والتأويل الذي ذكرنا قبل هذا كأنه أقرب. والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ }.

قال بعضهم: هو صلة ما تقدم؛ من قوله: { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ... } الآية، يقول - والله أعلم -: أفلم ييئس الذين آمنوا عن إيمان من كان على ما وصف الله، وتمام هذا كأن المؤمنين سألوا لهم الآيات، ليؤمنوا؛ لما سألوا هم آيات من رسول الله؛ فيقول: { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } عن إيمان هؤلاء؛ وهو كما قال:وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا } [الأنعام: 109] كأن المؤمنين سألوا لهم الآيات ليؤمنوا؛ فقال:وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ } [الأنعام: 109] يأيها المؤمنونأَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [الأنعام: 109] أي: يؤمنون على طرح (لا) على هذا التأويل.

وقال بعضهم: { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ }: أفلم يتبين للذين آمنوا أنهم لا يؤمنون؛ لكثرة ما رأوا منهم من العناد والمكابرة.

فسروا الإياس بالعلم والأيس؛ لأن الإياس إذا غلب يعمل عمل العلم؛ كالخوف والظن ونحوه جعلوه يقيناً، وعلماً للغلبة؛ لأنه إذا غلب يعمل عمل اليقين والعلم.

السابقالتالي
2 3