الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ } * { كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ لِّتَتْلُوَاْ عَلَيْهِمُ ٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ }

قوله - عز وجل -: { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ }.

يرغبهم فيما عنده ويؤيسهم عما في أيدي الخلق، ويقطع رجاءهم عن ذلك؛ لأن الذي كان يمنعهم عن الإيمان به، ويحملهم على تكذيب الرسل؛ وترك الإجابة - هذه الأموال التي كانت في أيدي أولئك، وبها [رأوا دوام] الرياسة والعز والشرف لهم في هذه الدنيا؛ فقال: هو الباسط لذلك؛ والقاتر لا أولئك، هو يوسع على من يشاء، ويقتّر على من يشاء؛ ليس ذلك إلى الخلق، وذكر أنه يبسط الرزق لمن يشاء من أوليائه وأعدائه، ويقتر على من يشاء من أعدائه وأوليائه، ليعلموا [أن] التوسيع في الدنيا والبسط لا يدل على الولاية، ولا التقتير والتضييق على العداوة، ليس كما يكون في الشاهد؛ يوسع على الأولياء ويبسط، ويضيق على الأعداء؛ لأن التوسيع في الدنيا والتضييق بحق المحنة وفي الآخرة، بحق الجزاء، ويستوي في المحنة الولي والعدوّ، ويجمع بينهما في المحنة؛ ويفرق بينهما في الجزاء.

وقوله - عز وجل -: { وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا }.

يحتمل قوله: { وَفَرِحُواْ } صلة ما تقدم؛ وهو قوله: { وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ... } إلى قوله: { وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ } ، ويفرحون بالحياة الدنيا.

ثم الفرح يحتمل وجوهاً:

يحتمل: فرحوا بالحياة الدنيا؛ أي: رضوا بها؛ كقوله:وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا } [يونس: 7] أي: فرحوا، سروراً بها.

فإن قيل: إن المؤمن قد يسرّ بالحياة الدنيا؟

قيل: يُسَرّ ولكن لا يُلْهيه سروره بها؛ ولا يغفل عن الآخرة، وأما الكافر: فإنه لشدة سروره بها وفرحه عليها؛ يلهى عن الآخرة؛ وعن جميع الطاعات. وهكذا [العرف في] الناس أنه إذا اشتد بالمرء السرور بالشيء؛ فإنه يلهى عن غيره ويغفل عنه.

أو يكون قوله: { وَفَرِحُواْ } أي: أشروا وبطروا؛ كقوله تعالى:إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } [القصص: 76] وهو الأشر والبطر. والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ }.

تأويله - والله أعلم - أي: ما الحياة الدنيا - مع طول تمتعهم بها بتمتع الآخرة - إلا كمتاع ساعة أو كمتاع شيء يسير؛ وهو كقوله:لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا } [النازعات: 46] وكقوله:لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } [الأحقاف: 35] يظنون - مع طول ما متعوا في هذه الدنيا - عند متاع الآخرة كأنهم ما متعوا بها إلا ساعة؛ فعلى ذلك قوله: { وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ } ، وهو ما ذكر في موضع آخر:فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } [التوبة: 38] عند متاع الآخرة؛ لأن متاع الآخرة ونعيمها دائم متصل غير منقطع؛ لا يشوبه آفة ولا حزن ولا خوف، ومتاع الدنيا منقطع غير متصل؛ مشوب بالآفات والأحزان؛ لذلك كان قليلا عند متاع الآخرة ونعيمها.

السابقالتالي
2 3 4