الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } * { فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَٱرْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } * { قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله - عز وجل -: { وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ }.

قيل خرجت؛ وفصلت؛ وانفصلت - واحد.

{ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ }.

قال أهل التأويل: كان بينهما ثمانون فرسخاً؛ يعني: بين مصر وبين كنعان مكان يعقوب. وقيل: مسيرة ثمانية أيام؛ ما بين الكوفة والبصرة.

ولا حاجة لنا إلى معرفة ذلك أن كم كان بينهما؛ سوى أنا نعلم أنه كان بينهما مسيرة أيام؛ ثم وجد يعقوب ريح يوسف من ذلك المكان؛ ولم يجد غيره ممن كان معه؛ فذلك آية من آيات الله؛ حيث وجد ريحه من مكان بعيد لم يجد ذلك غيره، وذلك من آثار البشارة والسرور الذي يدخل فيه بقدومه.

قال بعض أهل التأويل: ذلك القميص هو من كسوة الجنة؛ كان الله كساه إبراهيم، وكساه إبراهيم إسحاق، وكساه إسحاق يعقوب، وكساه يعقوب يوسف؛ لذلك وجد ريحه؛ لأنه كان من ثياب الجنة، فهو - وإن ثبت ما قالوا - فذلك أيضاً حيث وجد هو ذلك، ولم يجد غيره. وكان أيضاً هو لا يجد ذلك الريح قبل فصول العير، وكان مع يوسف.

احتمل ما قالوا، أو احتمل أن يكون قميصاً من قمصه. والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ }.

قيل: تحزنون، وقيل: تهرمون، وقيل: تكذبون، وقيل: تضعفون، وقيل: تعجزون، وقيل: تجهلون، وقيل: تسفهون، وقيل: تحمقون، وقيل: لولا أن تقولوا ذهب عقلك.

والمفند: معروف عند الناس: هو الذي يبلغ من الكبر غايته؛ كقوله:وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } [الحج: 5].

وقوله: { لَوْلاَ } إذا كان على الابتداء؛ فهو على النهي؛ أي لا تفندون، وإذا كان على الخبر؛ فهو على النفي؛ كقوله:فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا } [يونس: 98] أي: لم ينفع.

وقوله - عز وجل -: { قَالُواْ تَٱللَّهِ } هو ما ذكرنا أنه يمين اعتادوه في كلامهم؛ على غير إرادة القسم به.

{ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ }.

قيل: في حُبّ يوسف، وذكره القديم كان عندهم؛ بأنه هالك؛ لذلك أنكروا عليه وخطئوه؛ فيما يجد من ريحه، وعنده أنه في الأحياء؛ لذلك كان ما ذكروا. والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَٱرْتَدَّ بَصِيراً }.

أي رجع بصيراً على ما كان: قال أهل التأويل: البشير كان يهوذا، وقيل: البريد، ولا ندري من كان؛ وليس بنا إلى معرفة ذلك حاجة - سوى أن المدفوع إليه الثواب كان واحداً؛ وإن قال في الابتداء: { ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي }.

وقوله - عز وجل -: { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }.

قال بعض أهل التأويل: وذلك أن يعقوب قال لهم قبل ذلك:

السابقالتالي
2