الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ } * { قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } * { قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } * { قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ }

قوله - عز وجل -: { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ } أي على يوسف { قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ } سموه عزيزاً، لما لعلهم يسمّون كل ملك عزيزاً، أو سمعوه عزيزاً؛ لما كان عند ذلك عزيزاً؛ بقوله:أَكْرِمِي مَثْوَاهُ } [يوسف: 21] أو لما كان بالناس إليه حاجة بالطعام الذي في يده؛ وهو كان غنيّاً عما في أيديهم والله أعلم.

قولهم: { مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ }.

قال أهل التأويل: أصابنا الشدة والبلاء من الجوع.

{ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ }.

قيل: دراهم نُفَاية مبهرجة لا تنفق في الطعام؛ كاسدة؛ لأنه كان في عزّة؛ وتُنفَق في غيره.

وقال أبو عوسجة: { وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ } أي قليلة. وكذلك قال القتبي: أي قليلة. وقال ابن عباس: هي الورق الرّديئة التي لا تنفق حتى يوضع منها.

وقال أبو عبيد: الإزجاء في كلام العرب: الدفع والسَّوق؛ وهو كقوله:أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً } [النور: 43] أي يسوق ويدفع. وقال بعضهم: ناقصة. وقال بعضهم: جاءوا بسمن وصوف. وقيل: جاءوا بصنوبر وحبة الخضراء، وأمثال هذا.

قالوا: ويشبه أن يكون { مُّزْجَاةٍ } من التزجية: كما يقال: نزجي يوماً بيوم.

وقوله - عز وجل -: { فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ }.

قال بعضهم: أوف لنا الكيل بسعر الجياد؛ وتأخذ النُّفَاية وتكيل لنا الطعام بسعر الجياد.

لكن قوله: { فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ } أي سلم لنا الكيل تامّاً؛ لأن الإيفاء هو التسليم على الوفاء؛ كقوله:وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ } [الأنعام: 152]، وتصدق علينا بفضل ما بين الثمنين في الوزن. وقيل: ما بين الكيلين.

وقال بعضهم: وتصدق علينا: أي زد لنا شيئاً يكون ذلك صدقة لنا منك.

لكن يشبه على ما قالوا: وطلبوا منه الصدقة؛ حط الثمن؛ لأن الصدقة لا تحل للأنبياء، ويجوز الحط لهم، ويجوز حطّ من لا يجوز صدقته؛ نحو العبد المأذون له في التجارة؛ يجوز حطه ولا يجوز صدقته، وكذلك نبي الله كان يجوز [له الشراء] بدون ثمنه؛ ولا تحل له الصدقة.

ويحتمل أن يكون قوله: { مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ } بذهاب بصر أبيهم؛ مسهم بذلك وأهلهم الضر.

وقوله - عز وجل -: { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ }.

أي رُدَّ علينا بنيامين؛ لعل الله يرد بصره عليه.

{ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ }.

قال أهل التأويل: إن الله يجزي المتصدقين إن كانوا على دين الإسلام؛ كأنهم ظنوا أنه ليس على دين الإسلام؛ ولو أنهم ظنوا أنه مسلم؛ لقالوا: إن الله يجزيك بالصدقة.

وقوله - عز وجل -: { قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ }.

هو ظاهر لا يحتاج إلى ذكره وأما ما فعلوه بأخيه: قال أهل التأويل: هو ما قالوا إنه سرق؛ لكنهم لم يقولوا إلا قدر ما ظهر عندهم؛ فلم يلحقهم بذلك القول فضل تعيير؛ لكن يشبه أن يكونوا آذوه بأنواع الأذى، ولا شك أنهم كانوا يبغضون يوسف وأخاه؛ حيث قالوا:

السابقالتالي
2 3