قوله - عز وجل -: { فَلَمَّا ٱسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ }. قيل: أيسوا عن أن يُرَدّ إليهم أخوهم. { خَلَصُواْ نَجِيّاً }. قيل: خلوا من الناس وخلصوا منهم؛ يتناجون فيما بينهم في أمر أخيهم، أو في الانصراف إلى أبيهم، أو في المقام فيه. { قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوۤاْ }. قال أهل التأويل: كبيرهم في العقل ليس في السن؛ وهو فلان. قال بعضهم: وهو يهوذا، وقال بعضهم: هو شمعون. ولكن لا نعلم من كان قائل هذا لهم، ولا نحتاج إلى معرفة ذلك؛ سوى أن فيه: { قَالَ كَبِيرُهُمْ } إمَّا أن كان كبيرهم في العقل؛ أو كبيرهم في السن. { أَلَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنَّ أَبَاكُمْ } (ألم تعلموا) و(ألم تروا) حرفان يستعملان في أحد أمرين: في الأمر؛ أن اعلموا ذلك، أو في موضع التنبيه والتقرير؛ وهاهنا كأنه قال ذلك على التقرير والتنبيه؛ أي: قد علمتم { أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ }. هذا يدل أن التأويل في قوله:{ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } [يوسف: 66] هو إلا أن يعمكم أمرٌ ويجمعكم؛ فتهلكون فيه جميعاً، وليس كما قال بعض أهل التأويل: إلا أن يجيء ما يمنعكم عن ردّه؛ أي: إلا أن تغلبوا فتعجزوا عن ردّه؛ لأنه قد جاء ما يمنعهم عن ردّه، ثم أبي أكبرهم الرجوع إلى أبيه؛ دل أن التأويل هو هذا، ومن يقول: إن التأويل في قوله:{ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } [يوسف: 66] إلا أن يجيء ما يمنعكم عن الردّ؛ استدل بقوله: { ٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يٰأَبَانَا إِنَّ ٱبْنَكَ سَرَقَ }؛ فلو كان على ما يعمهم ويجمعهم، لم يكن ليأمرهم بالرجوع إلى أبيهم؛ دل أنه ما ذكر. وأما أهل التأويل الأول يقولون: إن قوله: { ٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ أَبِيكُمْ } ليس على الأمر؛ ولكن إذا رجعتم إلى أبيكم؛ فقولوا: إن ابنك سرق وكذلك يخرج قوله: { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا وَٱلْعِيْرَ ٱلَّتِيۤ أَقْبَلْنَا فِيهَا } ليس على الأمر؛ ولكن لو سألت أهل القرية وأهل العير؛ لأخبروك أنه كما قلنا؛ فعلى ذلك قوله: { ٱرْجِعُوۤاْ } ليس على الأمر؛ ولكن لو رجعتم إليه؛ فقولوا كذا. وقوله - عز وجل -: { وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ }. أي: من قبل ما ضيعتم أمر أبيكم في يوسف؛ أو ضيعتم أمر الله ووعده في يوسف. { فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِيۤ أَبِيۤ }. [هذا يحتمل وجهين: يحتمل حتى يأذن لي أبي بالرجوع إليه؛ إذا ظهر عنده عذرنا وصدقنا في أمره ابنه أو يأذن لي أبي] بالمنازعة في القتال مع الملك حتى أستنقذ أخي وأستخلصه منه. { أَوْ يَحْكُمَ ٱللَّهُ لِي } في الرجوع أيضاً أو في القتال معه. { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ } أو يحكم الله لي بإظهار عذرنا وصدقنا عند أبينا.