الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ } * { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ } * { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ }

قوله - عز وجل -: { لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ } الآية.

آية للسائل إذا كان السائل مسترشداَ، وكذلك القرآن كله، هو حجة وآية للمسترشد، وأما المتعنت فهو آية عليه.

ثم يحتمل قوله: { آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ }: السائلين الذين سألوا؛ على ما ذكر في بعض القصة أن اليهود سألوا النبي عن أمر يوسف ونبئه، فأخبرهم بالحق في ذلك على ما كان، فهو آية لهم إن ثبت ذلك.

ويحتمل قوله: { آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ }: السائلين الذين يسألون من بعد إلى آخر الدهر عن نبأ يوسف، كل من سأل عن خبره ونبئه فهو آية لهم.

ثم وجه جعله آية يحتمل وجوهاً:

أحدها: أنه جعل قصة يوسف ونبأه [سورة، وتلك السورة هي آيات الكتاب؛ على ما ذكر: { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ }؛ جعل قصة يوسف ونبأه] آيات من الكتاب.

ويحتمل - أيضاً - أنه جعل آية؛ أي: حجة لنبوة رسوله ورسالته؛ لأن قصته ونبأه كان في كتبهم بغير لسانه من غير ترجمة أحد منهم ولا تعليم، ثم أخبرهم على ما كان في كتبهم من غير زيادة ولا نقصان دل أنه أنما علمه بالله - تعالى - لا أنه أخذه من كتبهم، وهو ما ذكر في القصة " أن اليهود سمعوا النبي يقرأ سورة يوسف، فقالوا: يا محمد، من علمكها؟ قال: " الله علمنيها " فعجبوا من قراءته إياها على ما كانت في كتبهم؛ دل أنه إنما عرفها بالله تعالى ".

ثم يحتمل أن يكون آية لمن سأل عن حجة رسالته، أو هو آية لمن سأل عنها، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ }.

في الآية دلالة أن لا بأس للرجل أن يخص بعض ولده بالعطف عليه والميل إليه، إذا كان فيه معنى ليس ذلك في غيره؛ ولهذا قال أصحابنا: إنه لا بأس للرجل أن يخص بعض ولده بالهبة له أو الصدقة عليه إذا لم يقصد بها الجور على غيرهم من الأولاد.

ثم يحتمل تخصيص يعقوب يوسف وأخاه بالحب لهما وجوهاً:

أحدهما: لما رأى فيهما من الضعف في أنفسهما، والعجز في أبدانهما، فازدادت شفقته لهما وعطفه عليهما لذلك، وهذا مما يكون فيما بين الخلق.

أو كان ذلك منه لهما لصغرهما، وهذا - أيضاً - معروف في الناس أن الصغار من الأولاد يكونون عندهم أحب، وقلوبهم إليهم أميل، وعليهم أعطف، ولهم أرحم من الكبار منهم.

أو خصهما بذلك لفضل خصوصية كانت لهما إما من جهة الدين، أو العلم، أو غيره، أمره الله بذلك لذلك من دون غيرهما.

أو لما بشر يعقوب بنبوة يوسف، فكان يفضله على سائر أولاده، ويؤثره عليهم لذلك.

السابقالتالي
2