الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } * { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ } * { قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } * { وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ ٱجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ }.

لما أراد الله أن يبلغ أمر يوسف؛ فيما أراد أن يبلغ جعلهم بحيث لا يعرفونه؛ لذلك قال: { فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } أي: لا يعرفونه؛ كقوله:قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } [الحجر: 62] أي: غير معروفين عند إبراهيم، والمنكر: هو الذي لا يعرف في الشرع ولا في العقل.

وقوله - عز وجل -: { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ }.

أي: أعطى لهم الطعام الذي طلبوا منه.

قال أبو عوسجة: الجهاز: المتاع. والجهاز - أيضاً -: متاع المرأة التي تجهز به، ولا يقال: جِهاز بخفض الجيم.

وقال أهل التأويل: إن يوسف - عليه السلام - قال لهم حين دخلوا عليه أنتم عيون؛ بعثكم ملككم تنظرون إلى أهل مصر ثم تأتونه بالخبر وتأتونه بكذا.

ذلك مما لا نعلمه أنه قد كان قال لهم ذلك أم لا، وغير ذلك من الكلمات التي قالوا: إنه قال لهم كذا وقالوا هم له كذا، نحن كذا كذا رجلا؛ فهلك منا كذا، ولنا أب كذا: مثل هذا لا يكون كلام الأنبياء إنما هو كلام بعض العوام الغوغاء. والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ }.

مثل هذا لا يحتمل أن يقوله يوسف ابتداء؛ على غير سبب أو كلام كان هنالك، لكنه لم يذكر الذي كان؛ ونحن لا نعرف ما الذي كان جرى هنالك فيما بينهم.

وكذلك قوله: { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ }.

أمَّا أهل التأويل فإنهم قالوا: قال لهم ائتوني بأخ لكم من أبيكم إلى آخر ما ذكر؛ لأنه لما قال لهم: إنكم جئتم عيوناً لملككم؛ فأمر بحبسهم، فقالوا: نحن بنو يعقوب النبي، وكنا اثنى عشر رجلا؛ فهلك منا رجل في الغنم، ووجدنا على قميصه دماً؛ فأتينا أبانا فقلنا: كذا، وقد خلفنا عند أبينا أخاً له؛ من أم الذي هلك؛ فعند ذلك قال [لهم]: { ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } لكن هذا الذي ذكروا لا يكون سبباً ولا جواباً له، وقد ذكرنا أنه لا يصح هذا الكلام مبتدأ، لكنا نعلم بالعقل أنه كان هنالك سبب، ومعنى أمر يوسف أن يقول لهم ذلك، وإلا لا يحتمل أن يقول لهم يوسف: { فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ } وهو كان يعلم أن أباه يعقوب يحتاج إلى طعام، ويعرف حاجتهم في ذلك - هذا لا يسع إلا بسبب كان؛ فأمر يوسف بذلك.

وقوله: { فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ } فيما يستقبل؛ أي: لا تأتوني.

السابقالتالي
2