قوله - عز وجل -: { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ } يعني: يوسف [فلما جاءه الرسول، قال: { ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ }: فيه دلالة أن قول يوسف] للرجل. { ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ }. إنما طلب بذلك براءة نفسه فيما اتهم به، ليس كما قال أهل التأويل؛ لأنه لو كان غير ذلك لكان لا يرد الرسول إليه ولكنه خرج والله أعلم. وقوله: { فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ }. يحتمل هذا من وجهين: أحدهما: أَهُنَّ على كيدهن بعدُ، أم رجعن عن ذلك؟ والثاني: ليعلم الملك براءته مما قرف به واتهم. [ليظهر عنده أنه كان بريئاً مما قرف به واتهم]. وقوله - عز وجل -: { إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ }. إنهن كدن ثم قال لهن الملك: { قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ } هذا يدل أن الملك قد علم أنهن راودن يوسف عن نفسه؛ لأنه قال: { قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ } ولم يقل لهن: أراودتن أم لا؟ ولكنه قطع القول فيه. وقوله - عز وجل -: { قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ }. بدأ بهن حتى أقررن أنه كان بريئاً ما قرف به واتهم، ثم أقرت امرأة الملك بعد ذلك لما أقر النسوة؛ فقالت: { ٱلآنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ }. قيل: الآن تبين الحق وتحقق. { أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ } في قوله:{ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } [يوسف: 26]. وقوله: { مَا خَطْبُكُنَّ } ما شأنكن وأمركن، والخطب: الشأن، وراودتن: قد ذكرناه. وقوله: { قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ }. قيل: معاذ الله، وقيل: هي كلمة تنزيه وتبرئة من القبيح. وقوله: { مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ }. قال أهل التأويل: الزنا، ولكن قوله: { مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ } هو السوء الذي قالت،{ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا } [يوسف: 25] هو ذلك السوء قالت إنه أراده بها قلن ما علمنا منه ذلك. وقوله: { حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ }. قد ذكرناه أنه تبين وتحقق. وفي قوله: { مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ }. دلالة أن لم يكن منه ما قاله [أهل] التأويل من حلّ السراويل وغيره؛ لأنه لو كان منه ذلك لكُنّ قد علمن منه السوء. وقوله - عز وجل -: { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ }. قوله: ذلك الرد الذي كان منه وترك الإجابة لرسول الملك؛ حيث قال: { ٱئْتُونِي بِهِ } ليعلم الملك أني لم أخنه بالغيب؛ في أهله إذا غاب عني؛ ردّاً لقولها: { مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا } وتصديقاً لقوله؛ حيث قال:{ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } [يوسف: 26]. وقال بعض أهل التأويل: ذلك ليعلم الله أني لم أخنه؛ يعني الزوج بالغيب، لكن هذا بعيد، إنه قد علم يوسف أن الله قد علم أنه لم يخنه بالغيب.