الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّيۤ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ } * { قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ } * { يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّيۤ أَرْجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ } * { قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ } * { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ } * { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّيۤ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ }.

ذكر أنه رأى، وليس فيه ذكر أنه رأى في المنام، ولكن ذكر في آخر الرؤيا؛ دل أنه رأى في المنام بقوله: { إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ }.

وفيه: أن من الرؤيا ما هو حق ولها حقيقة، ومنها باطل لا حقيقة لها؛ لأنه قال: { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ } فكأن، الرؤيا هي حق، ولها حقيقة؛ بتأويل عواقبها، وأضغاث أحلام: لا حقيقة لها.

وقوله - عز وجل -: { إِنِّيۤ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ }.

أما البقرات: هي السنون، والسمان: هي المخصبات الواسعات.

{ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ }.

العجاف: هي المجدبات.

{ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ }.

السنبلات: سنبلات: وخضر: عبارة عما يحصد.

{ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ }.

عبارة عما لا يحصد أي: لا يكون فيه ما يحصد.

فيه دلالة أن في الرؤيا ما يكون مصرحاً مشاراً إليه يعلم بالبديهة، ومنها ما يكون كناية مبهماً غير مفسر؛ لا يعلم إلا بالنظر فيها والتفكر والتأمل؛ لأنه قال: { أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ } ، وسبع: هو سبع لا غير، وبقرات: هن كناية عن السنين، وسمان: كناية عن الخصب والسعة، يأكلهن على حقيقة الأكل لا غير.

وكذلك { سَبْعٌ عِجَافٌ } السبع: هو سبع، والعجاف: كناية عن الشدة والجدب، وسبع سنبلات: هنّ عَيْن السنبلات، وخضر: هي كناية عما يحصد، ويابسات: كناية عما لا يكون فيه ما يحصد.

ففيه: أن من الخطاب ما لا يكون مصرحاً مبيناً مشاراً إليه؛ يفهم المراد منه بالبديهة وقت قرع الخطاب السمع، ومنه ما يكون مبهماً غير مفسر؛ فهو على وجهين:

منه ما يفهم بالنظر فيه والتفكر.

والثاني: لا يفهم بالبديهة ولا بالنظر فيه والتفكر، إلا ببيان يقرن به سوى ذلك، على هذا تخرج المخاطبات فيما بين الله وبين الخلق والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ }.

خاطب الأشراف من قومه والعلماء بقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ } على ما ذكرنا فيما تقدم أن الملأ: هو اسم للأشراف منهم والرؤساء، وهكذا العادة في الملوك؛ أنهم إذا خاطبوا إنما يخاطبون أعقلهم وأعظمهم منزلة عندهم وأكرم مثواهم.

دلّ قوله: { أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ } أنه إنما رأى ذلك في المنام والله أعلم.

وقوله: { أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ... } الآية.

كأنه نهاهم أن يتكلفوا التعبير للرؤيا التي رآها؛ إذا لم يكن لهم بها علم، وكذلك الواجب على كل من سئل عن شيء لا يُعلم ألا يشتغل به، ولا يتكلف علمه؛ إذا لم يكن له به علم؛ حيث قال: { أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ }.

وقوله - عز وجل -: { قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ }.

السابقالتالي
2 3