الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } * { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ }

قوله - عز وجل -: { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ }.

يشبه أن تكون استكتمت سرها عند نسوة في المدينة، فأفشين سرها عند أهل المدينة، ليبلغ ذلك الخبر الملك.

أو أن لم تكن أعلمت تلك النسوة، فلا بدّ من أن يعلم ذلك بعض خدمها؛ فالخادم أعلمت سرها وأفشته عند نسوة في المدينة، فقلن عند ذلك: { تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ } أي: تدعو عبدها إلى نفسها.

وقوله - عز وجل -: { قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً }.

قال بعضهم: الشغاف: هو حجاب القلب وغلافه، { قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً } أي: بلغ حبها إياه الشغاف، ومنه يقال: مشغوف.

والمشغوف: قيل: المجنون حبّاً، وهو من العشق.

قال الحسن: الشغف: أن يكون قد بطن لها حبه، والشغف: أن يكون مشغوفاً به.

قال أبو عوسجة: { شَغَفَهَا حُبّاً } أي: دخل الحبّ في شغاف القلب، وهو غطاؤه.

وقال: من قرِأها { شَغَفَهَا } أي: ذهب بعقلها؛ أي: عشقها.

لكن هذا قول أولئك النسوة، فلا ندري ما أردن بذلك، إنما ذلك خبر أخبر عن قول قلنه هن، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }.

حيث خانت زوجها.

أو { فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } ، أي: في حيرة من حبه، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ }.

أي: بقولهن المكر: هو الأخذ في حال الأمن، وهو الخيانة فيما اؤتمن واستكتم؛ فهذه كأنها استكتمت سرّها وحبّها ليوسف عن الناس، وأفشت ذلك لنسوة في المدينة، على أن يستكتمن عن الناس، فأفشين عليها ذلك؛ فذلك المكر الذي سمعت، والله أعلم.

إلى هذا ذهب بعض أهل التأويل.

وأمكن أن تكون المرأة لم تفش سرها إليهن، لكن بعض خدمها التي اطلعت على ذلك هي التي أفشت إليهن، فأفشين هن ذلك، فلما سمعت ذلك منهن أرسلت إليهن: إمّا تنويشاً ودعاء للضيافة، وإما استزارة يزرنها، وأما قول أهل التأويل: إن النسوة كانت امرأة الخباز والسّاقي؛ ولا أدري من ماذا، فذلك لا نعلمه، وليس لنا إلى [معرفة] ذلك حاجة.

وقال - عز وجل -: { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً } قال الحسن: متكأً: طعاماً وشراباً وتكأة.

وقال بعضهم: الأترنج والترنج.

وقال بعضهم: متكأً: وسائد وما يتكأ عليه.

وقال أبو عوسجة: متكأً: ممدوداً؛ يعني: هيئات المجلس وما يتكأ عليه.

ومن قرأ: (متكا) مقصوراً، وهو الأترنج وطعام؛ على ما قال الحسن.

وكذلك قال القتبي؛ قال: ويقال: البزماورد.

وقوله - عز وجل -: { وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً }.

أي: أعطت كل واحدة منهن سكيناً؛ ظاهر.

{ وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ }.

هاهنا كلام أن كيف أطاع يوسف بالخروج على النساء بقولها إياه: { ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } فذلك مما لا يحل، لكنه يخرج على وجوه:

أحدها: أنه إنما يكره الدخول عليهن، والخلوة بهن، وأما الخروج عليهن فهو ليس بمكروه؛ إذ فيه الخروج منهن؛ لأنه إذا خرج عليهن كان يقدر أن يخرج منهن؛ فكأنه لما أذنت له بالخروج عليهن خرج رغبة أن يخرج من عندهن؛ إذ لم [يكن ليقدر] أن يخرج من البيت عليهن بغير إذن منها؛ فالأمر بالخروج عليهن أفاد له إذناً بالخروج من البيت؛ إذ لا سبيل له إلى الخروج منه بلا إذن له منها، فخرج عليهن ثمت من عندهن إلى غيره من المكان، وذلك مما لا يكره إذا كان مما لا سبيل إلى ما سواه.

السابقالتالي
2 3 4