الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } * { وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } * { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } * { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } * { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ }

قوله - عز وجل -: { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } الأشد: هو اشتداد كل شيء ونهاية كل نوع في الكمال يحتمل أشده: انتهاء بلوغه أو انتهاء شبابه، أو انتهاء عقله في التمام؛ لا يخلو من هذه الوجوه الثلاثة.

وقوله أهل التأويل: من ثماني عشرة سنة إلى أربعين؛ لأنه به يتم ويكمل كل نوع من ذلك إلى ذلك، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً }.

يحتمل قوله: حكماً: الحكم بين الناس، والعلم: في الحكم.

ويحتمل قوله: { حُكْماً } أي: أعطيناه النبوة، { وَعِلْماً }: علم الأحاديث وتأويلها؛ على ما تقدم ذكره.

أو أن يكون إذا أعطاه الحكم أعطاه العلم، وإذا أعطاه العلم أعطاه الحكم.

وقوله - عز وجل -: { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ }.

يحتمل: الإحسان في الأعمال؛ أي: عمل أعمالا حسنة صالحة.

ويحتمل: الإحسان إلى الناس؛ أي: أحسن إليهم، أو أحسن إلى نفسه؛ لا يخلو من هذه الأوجه الثلاثة.

أو أن يكون قوله: { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } أي: كذلك نجزي من أحسن صحبة نعم الله وإحسانه، وقام بشكر ذلك كذلك؛ أي: مثل الذي جزى يوسف لا يريد أنه يجزي غيره عين ما جزى يوسف، ولكن يجزيه جزاء الإحسان.

وقوله - عز وجل -: { وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ }.

دل قوله: { فِي بَيْتِهَا } أن البيت قد يجوز أن يضاف إلى المرأة، وإن كان البيت في الحقيقة لزوجها؛ على ما أضاف بيت زوجها إليها.

وقوله: { وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ } المراودة: قيل: هي الدعوة والطلبة، راودته، أي: دعته إلى نفسها.

وقال أهل التأويل: { وَرَاوَدَتْهُ } أي: أرادته.

{ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ }.

قيل: إن هذه كلمة أخذت من الكتب المتقدمة، ليست بعربية، ونحن لا نعرف ما أرادت بها، لكن أهل التأويل قال بعضهم: هلم لك.

وقال بعضهم: تهيأت لك.

وفي بعض القراءات: (هئت لك) بالهمز، ومعناه ما ذكرنا؛ أي: تهيأت لك.

ويشبه أن يكون قوله: { هَيْتَ لَكَ }: هأنا لك.

{ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ }.

أي: أعوذ بالله وألجأ إليه.

{ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ }.

قال أهل التأويل: { رَبِّيۤ } أي: سيدي الذي اشتراه { أَحْسَنَ مَثْوَايَ } أي: أكرم مقامي ومكاني؛ دليله: قوله لزوجته: { أَكْرِمِي مَثْوَاهُ } ، هذا يدل أن قوله: { أَكْرِمِي مَثْوَاهُ } أي: أحسني مثواه، ولكن يشبه أن يكون أراد بقوله: { إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ } ربّه الذي خلقه.

وقوله - عز وجل -: { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } بظلمهم وقت ظلمهم، والمثوى: الموضع الذي يثوى فيه، والثواء: المقام، والثاوي: المقيم، و { مَعَاذَ ٱللَّهِ } قيل: أعوذ بالله، وألجأ إليه، وأتحصن به.

أو: لا يفلح الظالمون: إذا ختموا بالظلم، وأما إذا انقعلوا عنه فقد أفلحوا.

وقوله - عز وجل -: { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ }.

السابقالتالي
2 3 4