الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ } * { قَالُواْ يَٰأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } * { وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

قوله - عز وجل -: { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ }: [غيابة الجب] قد ذكرناه.

وقوله - عز وجل -: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }.

يحتمل قوله: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ }: وحي نبوة، أو وحي بشارة النجاة من ذلك الجب، أو بشارة الملك له والعز.

ثم قوله: { لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }.

قال بعضهم: هو قول يوسف حيث قال لهم:هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ... } الآية [يوسف: 89]قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي } [يوسف: 90] هذا الذي نبأهم يوسف وهم لا يشعرون بذلك.

ويشبه أن يكون قوله: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ } أي: إلى يعقوب { لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ، ويكون قوله: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } هو ما قال لهم:يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ... } الآية [يوسف: 87] أمرهم أن يطلبوه ويتحسسوا من أمره؛ كأنه علم أنه حي؛ كقوله: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أنه حي؛ ألا ترى أنه قال:إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ } [يوسف: 94] ولهذا قال حين ألقى الثوب على وجهه فارتد بصيراً: { إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وذلك تأويل قوله: { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } إن كانت الآية في يعقوب، وإن كانت في يوسف فهو ما ذكرنا، والله أعلم بذلك.

وقوله - عز وجل -: { وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ } الآية.

في الآية دلائل:

أحدها: أن من ارتكب صغيرة فإنه يخاف عليه التعذيب، ولا يصير كافراً، ومن ارتكب كبيرة لم يخرج من الإيمان؛ لأن إخوة يوسف همّوا بقتل يوسف، أو طرحه في الجب، والتغييب عن وجه أبيه، وإخلائه عنه، وذلك لا يخلو منهم: إما أن تكون صغيرة أو كبيرة:

فإن كانت صغيرة فقد استغفروا عليها بقولهم:قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ... } الآية [يوسف: 97]؛ دل أنهم إنما استغفروا لما خافوا العذاب عليها.

وإن كانت كبيرة فلم يخرجوا من الإيمان؛ حيث صاروا أنبياء من بعد وصاروا قوماً صالحين؛ حيث قالوا:وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ } [يوسف: 9].

دل ما ذكرنا على نقض قول المعتزلة في صاحب الصغيرة أن لا تعذيب عليه، وصاحب الكبيرة أنه خرج من الإيمان، ونقض قول الخوارج في قولهم: إنه إذا ارتكب كبيرة أو صغيرة صار به كافراً مشركاً.

وفيه نقض قول من يقول: إن من كذب متعمداً أو وعد فأخلف أو اؤتمن فخان يصير منافقاً؛ لأن إخوة يوسف أؤتمنوا فخانوا، ووعدوا فأخلفوا، وحدثوا فكذبوا، فلم يصيروا منافقين؛ لأنهم قالوا: أكله الذئب، [ولم يأكله]، وهو كذب، واؤتمنوا، فخانوا حين ألقوه في الجبّ، ووعدوا أنهم يحفظونه، ولم يحفظوه.

فإن قيل: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

السابقالتالي
2 3