الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

قوله - عز وجل -: { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ }.

[قيل]: السبيل يؤنث ويذكّر. ويحتمل: هذه الطاعة أو العبادة لله.

يحتمل قوله - تعالى -: { سَبِيلِيۤ } هذه التي أنا عليها،

ويحتمل: هذه سبيلي التي أدعوكم إلى الله.

{ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي }.

البصيرة: العلم والبيان والحجة النيرة؛ أي هذه سبيلي التي أنا أدعوكم إليها؛ إنما أدعوكم على بصيرة؛ أي على علم وبيان وحجة قاطعة؛ وبرهان نير؛ ليس كسائر الأديان التي يدعى إليها على الهوى والشهوة بغير حجة ولا برهان؛ { وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي } [أي: ومن اتبعني] - أيضاً - فإنما يدعوكم أيضاً على حجة وبرهان؛ إذ من يجيبني؛ فإنما يجيب على بصيرة وبيان وحجة.

{ وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }.

قيل: كأن هذا صلة قوله: { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } سبحان الله: تنزيهاً لما قالوا؛ وتبرئة عما قالوا في الله بما لا يليق به.

{ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } في ألوهيته وربوبية غيره؛ أو في عبادته. والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ }.

ذكر رجالا - والله أعلم - أي: لم نبعث رسولا من قبل إلا بشراً؛ لم نبعث ملكاً ولا جنّاً؛ فكيف أنكرتم رسالة محمد بأنه بشر؛ ولم يروا رسولا من قبل ولا سمعوا إلا من البشر؛ كقولهم:أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [الإسراء: 94] وكقوله:وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً } [الأنعام: 9] هذا والله أعلم.

{ إِلاَّ رِجَالاً } مثلك؛ بشراً لا ملكاً ولا جنّاً، أو ذكر رجالا؛ لأنه لم يبعث امرأة رسولا.

وقوله - عز وجل -: { نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ }.

أي: إنما أرسل الرسل جملة من أهل الأمصار والمدن؛ لم يبعثوا من أهل البوادي وأهل البراري والقرى؛ إنما يريد الأمصار والبنيان، وقال الله - تعالى -:وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ } [النحل: 112] قيل: هي مكة، جميع ما ذكر في القرآن من القرية والقرى؛ يريد به الأمصار والمدن؛ وإنما بعث الرسل والأنبياء من الأمصار؛ ولم يبعثهم من البوادي ومن أهل البراري - لوجهين - والله أعلم -:

أحدهما: لأن لأهل الأمصار والمدن؛ اختلاطاً بأصناف الناس؛ وامتزاجاً بأنواع الخلق، ويكون لهم تجارب بالخلق؛ فهم أعقل وأحلم وأبصر من أهل البادية والبرية، إذ اختلاطهم وامتزاجهم إنما يكون بالماشية وأنواع البهائم؛ لذلك بعثوا من الأمصار دون البادية.

وبعدُ فإن الرسل يكون لهم أسباب وأعلام تتقدم عن وقت الرسالة تحتاج إلى أن يظهر ذلك للخلق؛ ليكون ذلك أسرع إلى الإجابة لهم؛ وأدعى وأنفذ إلى القبول، فإذا كانوا من أهل البوادي لا يظهر ذلك للخلق.

والثاني: أنه يراد من الرسالة إظهارها في الخلق؛ في الآفاق والأطراف والأمصار، والمدن هي الأمكنة التي ينتاب الناس إليها في التجارات وأنواع الحوائج من الآفاق والأطراف؛ فيظهر ذلك فيها.

السابقالتالي
2 3