الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يَٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ } * { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } * { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } * { قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ }

قوله - عز وجل -: { قَالُواْ يَٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ }.

دل قوله: { مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ } على أنهم قد طلبوا إخراجه من أبيهم غير مرة؛ لأن مثل هذا الكلام لا يتكلم به مبتدأ على غير مسابقة شيء من أمثاله، فدل أنهم قد استأذنوه في إخراجه غير مرة.

{ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ }.

الناصح: هو الدال على ما به نجاته، أو الدال على كل خير، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }.

كأن يعقوب صلى الله عليه وسلم خاف على نفسه - أعني: يوسف - الضيعة بتركهم حفظه، فأمنوه على ذلك بقولهم: { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }.

وخاف عليه الضياع من جهة الجوع بتركهم حفظه أوقات الأكل فأمنوه على ذلك بقولهم: { يَرْتَعْ } أي: يأكل.

وخاف قلبه أن يكلفوه أمراً يشق عليه ويشتد، فأمنوه [أيضاً على ذلك] بقولهم { وَيَلْعَبْ } لأنه ليس في اللعب مشقة ولا شدة، فخاف عليه الضياع بالوجوه التي ذكرنا، فأمنوه على تلك الوجوه كلها حتى استنقذوه من يديه.

وقوله: { يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ }.

قال بعضهم: يرتع: يأكل، ويلعب: يلهو كأنه خرج جواباً لقوله: { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ } ، قالوا له: لا تحزن عليه فإنه يرتع ويلعب؛ على التقديم والتأخير.

وقال بعضهم: يرتع: ينشط، ويلعب: يتلهى.

وقرئ بالنون: (نرتع ونلعب).

قال القتبي: نرتع، أي: نأكل؛ يقال: رتعت الإبل: إذا رعت، وارتعتها: إذا تركتها ترعى، ويقرأ نرتع، بكسر العين، والمراد منه أن نتحارس ويرعى بعضنا بعضاً؛ أي: يحفظه، ومنه يقال: رعاك الله؛ أي: حفظك الله.

وقوله: { يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } قالوا: يلعب فيما يحل ويسع من نحو الاستباق وغيره، وهو ما ذكروا: { إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا } ، واللعب في مثل هذا يحل، وقد روي - أيضاً - في الخبر أنه قال: " لا يحل اللعب إلا في ثلاث " وفيه: " معالجة الرجل فرسه أو قوسه، وملاعبة الرجل امرأته " ، أخبر أنه لا يحل إلا ثلاث، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ }.

قال: إني ليحزنني، عند الواقع به والغائب عنه من النعمة التي أنعمها عليه؛ لأنه كان نعمة عظيمة له فات النظر إليه، فذكر الحزن على ما فات عنه، وذكر الخوف لما خاف وقوعه في وقت يأتي وما سيقع؛ فهذا تفسير قوله:وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [البقرة: 62] لا يحزنون؛ لأنه موجود للحال، غير فائتوَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } [البقرة: 62]، أي: لا يخافون فوته؛ لأن خوف فوت النعمة ينقص على صاحبه النعمة، فآمنهم على ذلك، وهو ما ذكرنا أن الحزن يكون بالواقع للحال، والخوف على ما سيقع، والله أعلم.

السابقالتالي
2