الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } * { وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } * { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } * { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } * { أَفَأَمِنُوۤاْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ ٱللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }.

أي ما أكثر الناس بمؤمنين؛ ولو حرصت يا محمد أن يكونوا مؤمنين؛ كقوله:إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [القصص: 56] كان النبي صلى الله عليه وسلم بلغ من شفقته ورحمته على الخلق؛ ورغبته في إيمانهم؛ حتى كادت نفسه تهلك في ذلك؛ حيث قال:لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ... } الآية [الشعراء: 3] وقوله:فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ } [فاطر: 8]وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } [النحل: 127] كان حرصه على إيمانهم بلغ ما ذكر؛ حتى خفف ذلك عليه بهذه الآيات.

وقال بعض أهل التأويل: قوله - تعالى -: { وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ } يعني أهل مكة، { وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } وهم كذلك؛ كانوا أكثرهم غير مؤمنين، وأهل مكة وغيرهم سواء كلهم؛ كذلك كانوا.

وقوله - عز وجل -: { وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } أي: [على] ما تبلغ إليهم وتدعوهم إلى طاعة الله؛ وجعل العبادة له؛ وتوجيه الشكر إليه؛ لا تسألهم على ذلك أجراً؛ فما الذي يمنعهم عن الإجابة لك فيما تدعوهم؛ والائتمار بأمرك؟! هذا يدل أنه لا يجوز أخذ الأجر على الطاعات والعبادات؛ حيث نهى وأخبر أنه لا يسألهم على ما يبلغ إليهم أجراً، وهو لم يتولَّ تبليغ جميع ما أمر بتبليغه بنفسه إلى الخلق كافة، بقوله:وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ... } الآية [سبأ: 28] ولكنه ولى بعضه غيره؛ كقوله: " ألا فليبلغ الشاهد الغائب "؛ فإذا لم يجز له أخذ الأجر فيما يبلغ هو؛ فالذي كان مأموراً أن يبلغ عنه أيضاً لا يجوز أن يأخذ الأجر على ما يبلغ.

وفي قوله: { وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } وجهان:

أحدهما: أنه ليس يسألهم على الذي يبلغه إليهم ويدعوهم أجراً؛ حتى يمنع بذل ذلك وثقله عن الإجابة.

والثاني: إخبار أن ليس له أن يأخذ؛ وأن يجمع من الدنيا شيئاً؛ كقوله:وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ... } الآية [طه: 131] ومعلوم أنه لا يمد عينيه إلى ما لا يحل؛ فيكون النهي عن أخذ المباح.

وقوله - عز وجل -: { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }.

أي هذا القرآن الذي تبلغهم ليس إلا ذكرى؛ وموعظة للعالمين، أو هو نفسه عظة وذكرى للعالمين؛ أعني: النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } أي شرف وذكرى لمن اتبعه وقام به، وهو ما ذكر في آية أخرى:إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } [ق: 37]، وقوله:آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } [العنكبوت: 15] أي منفعته تكون لمن اتبعه؛ فعلى ذلك هذا.

وقوله - عز وجل -: { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ... } الآية.

أي كم من آية في السماوات والأرض. قال بعض أهل التأويل: الآيات التي في السماء مثل: الشمس والقمر والنجوم والسحاب؛ وأمثاله، والآيات التي في الأرض: من نحو: الجبال والأنهار والبحار والمدائن؛ ونحوها، لكن السماء نفسها آية، والأرض نفسها آية؛ وما يخرج منها من النبات آية.

السابقالتالي
2