الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } * { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } * { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } * { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } * { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } * { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }

قوله - عز وجل -: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ }:

ظاهره أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء مشار إليه، وهو التعوذ، وحق الإجابة في مثله أن [يقول: أعوذ، لا أن يقول: { قُلْ أَعُوذُ } ] لكنه - والله أعلم - يخرج على وجهين:

أحدهما: أن يكون ذلك أنزل بحق أن يصير ذلك أمرا لكل من بلغه، وتعليما بالذي عليه من الاعتصام بالله - تعالى - والالتجاء إليه من شر الذي ذكره؛ ليعيذه، وتكون الإعاذة بوجهين:

أحدهما: في تذكير ما عرفه من الحجج في دفع ما يخطر بباله من المكروه.

والثاني: باللطف الذي لا يبلغه علم الخلق، ولا تدركه عقولهم مما لديه نفع الأمن من الزيغ مما حقه الإفضال، والذي ذلك حقه، فلله - تعالى - أن يكرم به العبد مبتدئا، وله أن يقدم فيه محنة السؤال والاعتصام به؛ على الإكرام أيضا، ويلزم على من عصم به عن الزلة، أو هدي إلى حسنة: الشكر لله - تعالى - فيما ابتدأه أو أكرمه به عند السؤال.

والوجه الثاني من وجهي الخطاب: أن يكون الخطاب لغيره، [وإن كان] راجعا إلى مشار إليه، فهو مما يشترك في معناه غيره؛ فأبقى وأثبت ما به يصير مخاطبا من بلغ ذلك، وهو قوله - تعالى -: { قُلْ } حتى يدوم هذا إلى آخر الدهر، وعلى هذا جميع ما فيه حرف الكلفة والمحنة - أعني: صيغة الأمر - والله الموفق.

ثم في قوله - تعالى -: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ... } إلى آخر السورة وجهان من الحكمة، فيهما نقض قول أهل الاعتزال:

أحدهما: أن المحنة قد ثبتت بالامتناع عن طاعة الشيطان والمخالفة له: فإما أن كان الله - تعالى - أعطاه جميع ما يقع به الامتناع حتى لا يبقى عنده مزيد، أو لا يعطيه جميع ذلك، بل بقي عنده شيء منه.

فإن كان قد أعطاه، فهو بطلب ذلك بالتعوذ والاعتصام بالله - تعالى - كاتم لما أعطاه، طالب ما ليس عند الله - تعالى - فيكون الأمر بالتعوذ محنة وأمرا بما به كتمان ذلك، وذلك حين استوفاه يكون إنكاره ستر نعم الله - تعالى - وقد تبرأ عن الأمر بالفحشاء والمنكر، وبين أن ذلك عمل الشيطان.

ثم في المحنة بهذا محنة بالاستهزاء بالله تعالى؛ لأنه يطلب منه ما يعلم أنه لا يملكه، ولا يجده عند نفسه، وذلك من علَم الهزء عند ذوي العقول، فمن ظن أن الله - تعالى - يمتحن عباده ويأمرهم بشيء مما ذكرنا، فهو جاهل بالله - تعالى - وبحكمته وإن لم يكن الله تعالى [يمتحن عباده، ويأمرهم بشيء مما ذكرنا؛ فهو جاهل] [بما] أعطاه وعنده بعد ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8