الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } * { وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } * { بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } * { قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَٰوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ } * { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيۤ إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } * { وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ } * { وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ } * { قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } * { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَهْطِيۤ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } * { وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَٰمِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَٰذِبٌ وَٱرْتَقِبُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ } * { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ }

قوله - عز وجل -: { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ } [أي: إلى مدين أرسلنا] { أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } هذا قد ذكرنا فيما تقدم: أن كل نبي أول ما دعا قومه إنما دعا إلى توحيد الله، وجعل العبادة له.

وفي قوله: { أَخَاهُمْ شُعَيْباً } وما ذكر في غيره من الأخوة دلالة على أن الرسل من قبل كانوا يبعثون من جنس قومهم لا من الملائكة حيث قال: { أَخَاهُمْ شُعَيْباً } ، ومعلوم أنهم لم يكونوا إخوة لهم في الدين، وفيه أن المؤاخاة لا توجب فضيلة المؤاخى له؛ [لأنه ذكر أن الرسل] إخوة أولئك الأقوام، ومنهم كفرة، وذلك يرد قول الروافض في تفضيل عليّ على أبي بكر بالمؤاخاة التي كانت بين رسول الله وبين علي؛ والخلة توجب الفضيلة، وقد جاء عنه عليه السلام [أنه قال]: " لو اتخذت سوى ربي خليلاً، لاتخذت أبا بكر خليلاً ".

وقوله - عز وجل -: { وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ } ، ذكر أنهم [كانوا] ينقصون المكيال والميزان، ولا يوفون الناس حقوقهم، فنهاهم عن ذلك، فهو - والله أعلم - لوجهين:

أحدهما: أنهم إنما نهوا عن ذلك؛ لحق الربا؛ لأن النقصان إذا كان برضا من صاحبه يجوز؛ فدل أنه إنما نهاهم بحق الربا، وفيهما يجري الربا.

والثاني: فيه أن [هبة] المشتري للبائع، وتقلبه [فيه] قبل قبضه على قيام البيع فيما بينهما غير جائز؛ والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ } قيل: [في سعة] من المال.

وقيل: في رخص من السعر، وإنما يحمل المرء على النقصان والظلم على آخر - عز الشيء وضيق [الحال]، فكيف تنقصون أنتم في حال السعة ورخص السعر.

أو يقول: { إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ } في غير هذا، فلا تظلموا الناس في هذا، و [لا] تمنعوا حقوقهم، { وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } ، أي: يوم يحيط بهم العذاب إن كانت الإحاطة مضافة إلى اليوم فهو محيط بالكل، وإن كانت الإحاطة مضافة إلى العذاب، فهو محيط بالكفرة خاصة، وهو - والله أعلم - أنه ما من جارحة من ظاهرة وباطنة إلا وقد يصيبها العذاب، ويحيط بها، ليس كعذاب الدنيا يأخذ جزءاً دون جزء، بل يحيط به، والنهي بتخصيص نقصان الكيل والميزان لا يدل على أن لم يكن فيهم من المآثم والإجرام سوى ذلك، لكنه خص هذا؛ لما كان الظاهر فيهم نقصان الكيل والوزن، فذكر ذلك، وهو ما خص قوم لوط بقوله:أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ } [الشعراء: 165] وإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ... } الآية [العنكبوت: 28]، ذكر هذا وخصهم، ليس على أنهم لم يكونوا يأتون من الفواحش غيرها، لكن خص هذا؛ لأن الظاهر فيهم هذا؛ فعلى ذلك نقصان الكيل والميزان في قوم شعيب، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7